كانت سهرة أول أمس بمتحف قرطاج حضارية وثقافية نوعية، مقارنة بنوعية العروض التي راهن عليها مهرجان قرطاج الدولي في برمجته في دورة هذا العام في مواصلة لتوجهه التجاري الربحي الذي طبع برامج دوراته في العقدين الأخيرين، وذلك من خلال عرض “ديوان عجم” الموغل في الموسيقى الصوفية لكن بإيقاعات اسطمبالي التي تميز شريحة معينة من المجتمع التونسي والمغاربي بشكل عام وبقيادة المختص في المجال رياض الزاوش باعتباره أيضا رئيس جمعية “سيدي علي الأسمر” المختصة في موسيقى اسطمبالي.
والهام في هذا العرض الذي أخرجه منصف البلدي، أنه لا يكتفي بتقديم هذا النمط من الموسيقى التي تكاد تندثر، وإنما ينفتح على نفس النمط الموسيقي ذي الأصول الإفريقية المنتشر ببلدان المغرب العربي. ليلتقي في هذا العرض اسطمبالي تونس أو ما يعرف بـ”البنقا” في الجنوب الغربي التونسي وتحديدا في نفطة مع “ديوان قناوي” في الجزائر و”القناوة” في المغرب في عرض موسيقي وفرجوي ضخم شارك فيه ما يقارب خمسون عنصرا، كان أشبه بلقاء مساءلة وحوار بين طرق صوفية مختلفة عبر إيقاعات كان القاسم المشترك بينها كونها روحانية بحتة.
وذلك من خلال مشاركة فرق مختصة في هذه الموسيقى من البلدان المغاربية الثلاث تمثل مدنا تشتهر بهذا النمط الفني على غرار نفطة في تونس و”السويرة” بالمغرب وبسكرة بالجزائر رافقتها مجموعات راقصة من بلدان افريقية كالغابون قدمت لوحات راقصة من اسطمبالي على أنغام أغاني العرض. فكانت الملابس مشابهة للباس الخاص بسكان المناطق الصحراوية والإفريقية ويتميز بالألوان الزاهية موظفا في هذا العرض ما يشد الحاضرين ويؤكد على خصوصية هذا التراث الموسيقي.
فكانت السهرة بمثابة حنين واسترجاع لأجواء كانت تميز جانبا من المناسبات الاحتفالية التراثية في المجتمع التونسي في الأفراح أو “الزردة” أو خرجات الاحتفال بالزوي وغيرها من “اللمّات” التي كانت تنظمها الأسر في الحاضرة أو في التجمعات السكنية. ومثلت اكتشافا بالنسبة لفئة أخرى من الجماهير التي كانت حاضرة في نفس السهرة من الشباب والأطفال. فكان العرض مناسبة للخوص في جانب من التراث الثقافي في المجتمع التونسي أو غيره من البلدان المغاربية لاسيما في ظل خطر “اندثار” هذا النمط من الموسيقى رغم محاولات هذه البلدان حمايته والمحافظة عليه من خلال تدريسه في المعاهد العليا للموسيقى على نحو ما هو معمول به اليوم في تونس أو إدراجه ضمن التراث الثقافي الخاص على غرار ما هو موجود اليوم في المغرب والجزائر.
ولعل ما ميز هذا العرض الذي استحسنه أغلب الحاضرين وعابوا فيه قصر المدة باعتباره لم يتجاوز الساعة وعشرين دقيقة، هو أنه تناول بالأساس الأغاني الدينية التي تتغنى ببعض الأولياء الصالحين والزوي المنتشرة في البلدان الشريكة في العرض بما يجعل كل أغنية تحيل على شخصية تاريخية تمثل توجها وثقافة ومرحلة تاريخية هامة في تاريخ بلدان المغرب العربي على غرار “بابا عمار ساكن عنابة” و”سيدي بومدين” الشاعر الصوفي الذي عاش في القرن السادس هجري والذي يوجد ضريحه بمدينة تلمسان بالجزائر ويزوره الناس من بلدان المغرب العربي، إضافة إلى أغاني “مرحبا مرحبا الله سيدي” و”سيدي ميمون” و”صلي على نبينا” و”حبيبي رسول الله” و”سيدي بوسعيد” و”سيدي منصور” التي تفاعل معها الحاضرون إلى حد “تخميرة” البعض.
وكان لإلمام المخرج المنصف البلدي بهذا النمط من الموسيقى خاصة أنه شاعر غنائي ومخرج وسبق أن هندس عديد البرامج والأعمال الثقافية والدينية بما في ذلك الموسيقية، دور في صياغة تصور إخراجي ورحكي للعرض على نحو جعل الجماهير، والتي كانت حاضرة بأعداد محترمة، جزءا من العرض خاصة أنه “تصرّف” في الركح بطريقة جعلته يجعل الحاضرين ينصهرون في عوالم مراحل تاريخية وحضارية لتلك الأنماط الموسيقية، من خلال الديكور والملابس التي تمثل مميزات هذه الفئة من الفرق الموسيقية والصوفية والإضاءة والألوان وتوزيع عناصر العرض من موسيقيين وراقصين ومغنين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/08/2017
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب الصورة : نزيهة الغضباني
المصدر : asrar7days.com