إنما تقاس الرجال بالعقول والأعمال

الشيخ: أبو إسماعيل خليفة
قال الله تعالى: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة... . المنافقون :4. ما شاء الله .. إنها لصورة طبق الأصل لطبقة كبيرة في المجتمع يخدعك مظهرها اللماع المتبجح عما يخفي وراءه من تفاهة وحقارة وزيف ..
إن هذه الصورة الرمزية تقابل بين الجسم واللسان ترجمان القلب لتعطي المقياس الصحيح للمفاضلة بين إنسان وإنسان فلا يدل على قيمة الإنسان كاللسان ومن هنا جاء في الأثر: تكلموا تُعرفوا فإن المرء مخبوء وراء لسانه . وقال سقراط لشاب في مجلسه لم يتكلم: تكلم لأراك . وما أجمل التعبير عن السماع بالرؤية!. قال الشاعر:
ما وهب الله لامرئ هبة * أحسن من عقله ومن أدبه
هما جمال الفتى فإن فُقدا * فإن فقد الحياة أجمل به
إن الله لم يمتن على عبده بنعمة بعد نعمة خلقه أعظم من نعمة لسانه إذ يقول: خلق الإنسان علمه البيان . إنها صورة رائعة من صور القرآن تهيب بالناس أن يتعلموا ولا يكتفوا بالمظاهر الكاذبة التي لا يطول أمدها إذ سرعان ما يفضحها الواقع. وهذه الصورة البيانية القرآنية صورها الشاعر في قوله:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم* جسم البغال وأحلام العصافير
هذا البيت قد يكون نظما لهذه الآية فالرجال لا يقاسون بطول ولا بقصر لا بضخامة ولا بنحالة إنما الرجال تقاس بالعقول والأعمال والأدب وجمال صورة المرء وحسنها وبهاءَها وما يمتلكه من متاع الحياة الدنيا وزينتها لا يغني شيئاً عند الله تعالى إذا كان القلب خاوياً من التقوى والإيمان وإذا كان العمل متأخّراً عن طاعة الرحمن. .
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا. قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.
فما رفع المسكين إلا قلبه وما وضع ذاك المختال إلا قلبه فسلوا الله قلبا سليما لعل الله يرزقنا به النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .