الجزائر.. وجهة الكتاب
يعود السيد المحترم "الكتاب" في المحاولة الخامسة عشر لفتن القراء والمغرمين وغير المغرمين به عبر بوابة الصالون الدولي للجزائر الذي فتح أبوابه للجمهور الواسع يوم الأربعاء 27 أكتوبر وسيستمر إلى غاية يوم السبت الثامن نوفمبر الجاري بساحة المركب الاولمبي محمد بوالضياف بالعاصمة.
صالون الجزائر الدولي للكتاب "عاد يدور في فلكه الطبيعي" حسب وزارة الثقافة لأنه ينظم للمرة الثانية تحت وصاية هذه الأخيرة بعدما كان لسنوات تحت وصاية المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار. والصالون هو في الحقيقة الفرصة الوحيدة أمام القارئ خاصة والمواطن عموما للالتقاء بسيدنا الكتاب طوال العام نظرا لغياب مثل هذه التظاهرات في بلادنا ..لذلك فإن وزارة الثقافة تجتهد في كل مرة لتحسين ظروف الصالون من جميع النواحي بغرض وضع الكتاب في متناول الجميع بينما يتلهف القارئ لاكتشاف تفاصيله عله يعثر على ما يرغب فيه من علوم ومعارف.اختار القائمون على الصالون هذا العام "حلت الروائع" شعارا له واجتهدوا في تسطير برنامج تنشيطي متنوع مصاحب للتظاهرة يضم عديد المحاضرات والمداخلات والمعارض والبيع بالإهداء لكتاب مرموقين ورجال سياسة وحتى عسكريين، بالإضافة طبعا للجانب التقني الذي قالت وزيرة الثقافة خليدة تومي انه عرف تحسينا كبيرا مقارنة بالعام الماضي.في المجموع تشارك 32 دولة في الطبعة الخامسة عشر لصالون الجزائر الدولي للكتاب بما فيها الهند، بمجموع 460 دار للنشر منها 140 دار جزائرية وبحضور دور نشر كبيرة ومعروفة على غرار الدور اللبنانية والفرنسية وغيرها، واختيرت سويسرا لتكون ضيف شرف الصالون هذا العام بمشاركة 15 كاتبا ومثقفا وشخصيات تاريخية وثقافية مرموقة في سويسرا على رأسهم جان زيغلر رجل سياسة وعالم اجتماع ونائب سابق الذي سيقدم محاضرة غدا الأربعاء حول "إفريقيا في مواجهة العولمة" وروني شوك، فرانسوا سوناي، ارنست ويبل والمؤرخ جاك سيسيانو وغيرهم.
وعلى الرغم مما قيل عن مكان إقامة الصالون الذي أثار جدلا كبيرا بين المهنيين ووزارة الثقافة لأنه كان يقام في السابق بقصر المعارض بالصنوبر البحري - وهو مكان ملائم للناشرين وللزوار- ومند وضعه تحت وصاية الوزارة يقام للمرة الثانية داخل خيام كبيرة مجهزة بساحة مركب محمد بوضياف، إلا أن ذلك لم يمنع من ملاحظة تدفق بشري هائل على الخيام خاصة خلال أيام العطلة - الجمعة والسبت فالكثير من الأولياء اصطحبوا أبناءهم إلى هناك في محاولة لاكتشاف الجديد والبحث عما يشبع نهمهم ويلبي رغبتهم في ميدان القراءة والمعلومة إلى درجة أن الخيمة الرئيسية للصالون عرفت اكتظاظا لا مثيل له خلال السبت الماضي بسبب الجموع البشرية الكبيرة التي غزت المكان.
قراءة انتقائية براغماتية
تتوافد جموع الزوار من مختلف الشرائح تباعا على أجنحة المعرض.. الكل يبحث عن مبتغاه، أصحاب دور النشر لم ينكروا كثرة الإقبال خاصة أيام العطلة الأسبوعية، لكن القراءات والرغبات مختلفة بالطبع، فالقراءة انتقائية براغماتية، الطالب يبحث عن الكتاب المدرسي أو الجامعي، والمولعون بالروايات يقصدون الأجنحة الخاصة بذلك، والباحثون عن الورع والتقوى وعذاب القبر يهرعون نحو أجنحة الكتاب الديني.أول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الصالون الإقبال المعتبر للمواطنين على دور النشر التي تعرض الكتب المدرسية مثل دار الكتب العلمية للطلبة، وهي دار جزائرية توفر جميع الكتب المدرسية الخاصة بتلاميذ الطور المتوسط والطور الثانوي، وقال احد المكلفين بالبيع بجناح الدار أن الإقبال كان معتبرا يومي الجمعة والسبت خاصة من الأولياء الأمهات خصوصا- رفقة أبنائهم على الكنب المدرسية المعروضة خاصة وان ذلك يتزامن والدخول المدرسي الذي لم يمض عليه سوى شهر ونصف تقريبا.وحسب محدثنا فإن الأولياء يسألون مباشرة عن الكتاب الذي يريدونه والذي يكونون قد جاءوا من اجله باستشارة الأبناء المرافقين لهم طبعا،وفي هذا يلاحظ أيضا إقبال للتلاميذ الصغار على جناح دار الشهاب حيث تعرض "سلسلة مدرستي" للأطفال، وتتمة لذلك يلاحظ إقبال كبير أيضا على الكتب العلمية والتقنية الجامعية في مختلف التخصصات بالنسبة لطلبة الجامعات.إلى جانب ذلك تشهد أجنحة الكتب الدينية كالعادة طبعا في مثل هذه المناسبات إقبالا معتبرا من عشاق الدين خاصة طلبة معاهد الشريعة وغيرهم، والإقبال الكبير على مثل هذه الكتب يلاحظه الجميع لان أفواجا متوالية من أصحاب اللحى تخرج وهم محملين بأكياس مملوءة من الكتب الدينية، إلى درجة أن بعض رجال الجمارك الواقفين عند احد مخارج المعرض وقفوا ثلاثة شبان كانوا يحملون أكياسا من الكتب الدينية ودار بين الطرفين حديث لا ندري مضمونه ولا ندري لماذا توقف هؤلاء الشباب هناك.وقال خالدي المهدي صاحب دار "البلاغ" الجزائرية المختصة في طباعة ونشر المصحف الجزائري فقط أن الإقبال على ما تقدمه داره كان مقبولا بعد ثلاثة أيام فقط من بداية الصالون.وهناك أيضا في إطار القراءة البراغماتية إقبالا لا بأس به على الكتب التي تروي حياة أعلام ورموز الجزائر التي تعرضها دار القصبة الجزائرية، وكذا على كتب الطبخ بالنسبة للعنصر النسوي، وأيضا على دور النشر الخاصة بالمناجد والقواميس مثل جناح "oxford university press" ودور النشر اللبنانية التي تقدم أنواعا مختلفة من القواميس في مختلف اللغات، وهناك بالمقابل فئة أخرى من عشاق الروايات والأدب العالمي، حيث تعرف الدار الفرنسية "غاليماغر" التي تقدم أشهر روايات الأدباء الفرنسيين والعالميين في أبهى وأجمل صورة تفتح شهية القراءة إقبالا وازدحاما كبيرين.لكن البحث عن لذة القراءة من طرف المواطن البسيط والقارئ المتخصص على السواء عكره صفوه ارتفاع الأسعار الذي يبقى انشغالا مطروحا عند كل طبعة من هذا الصالون، فالكتاب العادي في أي مجال قد يفوق ثمنه الألف دينار بكل بساطة، أما الكتاب المتخصص في الدراسات السياسية مثلا أو في المجالات العلمية فإن سعره يفوق بسهولة الألفي دينار بكثير والثلاثة آلاف دينار.ولا يجد القارئ العادي من يقدم له تبريرا لأسباب ارتفاع أسعار الكتب المعروضة، فالكل الناشر أو المنظمون - يتنصل من المسؤولية ويلقي بها على الطرف الآخر و يحاول لبس ثوب الضحية هو الآخر، رغم أن وزيرة الثقافة خليدة تومي قالت لرئيس الجمهورية خلال إشرافه على تدشين الصالون أن هناك إعفاء من الرسوم الجمركية على الكتب التي دخلت الصالون.
أرواح شريط، وطار، جغلول، وسراماغو في سماء الصالون
إلى جانب ما يوفره الصالون من كتب ومنشورات في مختلف المعارف والعلوم فهو أيضا فرصة للتنشيط الثقافي وحضور أسماء بارزة في عالم الفكر والأدب والثقافة من الجزائرومن الخارج.وقد دأب القائمون على الصالون تسطير سلسة من المحاضرات والندوات حول القضايا الثقافية والفكرية والسياسية بتنوعها وتشابكها، وبالنظر لبرنامج النشاط الثقافي المصاحب لفعاليات الصالون هذا العام يمكن القول أن أجزاء من الثقافة العالمية برمتها حطت الرحال بمركب محمد بوالضياف. لم ينس الصالون في هذا السياق تذكر أسماء جزائرية كبيرة خدمت الثقافة الوطنية على مدى عقود من الزمن، ورحلت عنا للأسف في المدة الأخيرة، وخصص لهم أمسيات تكريمية نظير ما قدموها للثقافة الجزائرية بصورة عامة.بعد يوم واحد من افتتاح أبواب الصالون خصص استذكار للراحل عبد الله شريط احد أعمدة الثقافة والفكر في الجزائر الذي رحل عنا في التاسع جويلية الماضي، الاستذكار نشطه نور الدين جباب وتطرق فيه لحياة الراحل العلمية والثقافية ومساهمته الرائدة في تطوير الثقافة الوطنية.
ولم ينس الصالون أيضا فقيد الرواية الجزائرية الطاهر وطار الذي غادرنا إلى الأبد في 12 أوت الماضي من خلال مشاهد من "سيرة شيخ الرواية الجزائرية" من تقديم محمد عبد الكريم اوزغلة، وحضرت أيضا روح عالم الاجتماع عبد القادر جغلول في ندوة نشطها قبل يومين عمر لرجان، وسيتذكر الصالون يوم الجمعة المقبل روح صاحب نوبل للآداب خوزي سراماغو الذي خطفه الموت في 18 جوان الماضي، والموت كان بطلا لآخر رواياته " انقطاعات الموت" لكن هذا الموت لم يستطع قطع الصلة بين سراماغو وعالم الكتابة والكتاب في جميع أصقاع العالم. ولا يمكن مرور الصالون هكذا أيضا دون تذكر أحد كبار قادة الثورة التحريرية المباركة وأحد رموز الكفاح المسلح ونحن نحتفل بالذكرى ال 56 لاندلاع ثورة أول نوفمبر،إنه المجاهد الكبير لخضر بن طوبال الذي تذكره رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك أمس في ندوة خاصة.
وشمل ويشمل برنامج النشاط الثقافي الخاص بالصالون أيضا مداخلات ومحاضرات متنوعة منها محاضرة للباحث والخبير الدولي اللبناني جورج قرم حول "خلفيات التفرقة والوهن لدى العرب في العالم المعاصر"، ومداخلة لرضا مالك بعنوان "الجزائر..تأسيس امة"، ومحاضرة لوزير التربية الأسبق احمد جبار حول "انتقال العلوم والمعارف بين المغرب والأندلس" و "المرأة والأنوثة عند ابن عربي وابن طفيل" للمغربي الأزهري ريحاني، ومداخلة سياسية للمناضل الفلسطيني عزمي بشارة بعنوان "الوضع العربي فكريا وسياسيا".كما شمل البرنامج الثقافي محاضرة للمؤرخ بن يامين سطورا بعنوان "ميتران والجزائر" وأخرى للباحث ورجل السياسة السويسري جون زيغلر حول " إفريقيا في مواجهة العولمة" ومداخلة أخرى للبوليتولوغ الفرنسي باسكال بونيفاس، ومداخلة للأمريكي كليمون هنري مور حول الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، حيث سيلتقي بالبعض منهم.وبالإضافة لندوات أخرى حول الأدب والسينما، والنقد الأدبي والإبداع بمشاركة رشيد بوجدرة، ومرزاق بقطاش، وندوة حول أهمية نشر الأعمال الأدبية الكاملة بمشاركة كوكبة من الأدباء منهم واسيني لعرج، الشيخ حميدو من السنغال، آكلي تاجر وعبد القادر جمعي.وفضلا عن كل هذا ستشهد فعاليات الصالون بيع بالإهداء يوقعه كتاب جزائريون منهم عز الدين ميهوبي، زهور ونيسي، محمد صاري رضا مالك خالد مزار، تسعديت ياسين يحيى بت آكلي الخير شوار وغيرهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/09/2010
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد عدنان
المصدر : www.annasronline.com