الجزائر

إطلالة على مجلة برتبة ثماني نجوم حين أمسكت الوزيرة أربع بطيخات.. في يد واحدة!



أكان ذلك حلما جميلا أم معادلة صعبة ومفترق طرق ومفترق انتماءات واختيارات استراتيجية، وما يبدو وكأنه تقاعس أو إحراج على الطريقة الإسرائيلية في سورة البقرة إنما هو في الحقيقة الوصف الموضوعي ل (دفتر أعباء) مطبوعة ثقافية بحجم وزارة، دفتر أعباء لا يمكن للأجواء السياسية والثقافية الجزائرية إلا أن تحوله إلى خريطة للتوازنات الصعبة والتجاذبات الشاقة التي تطبع الحالة الجزائرية برمتها، ولا نحتاج إلى القول بأن لا أحد يحسد وزارة الثقافة على الورطة التاريخية التي احتاجت فيها إلى ثمانية دكاترة، نقول ثمانية دكاترة في قاعة التحرير الوزارية، وهو رقم قياسي تنزل (الواشنطون بوست) قبله أو دونه بكثير.. من أجل أجندة انفجارية، يبدو أنها تحولت في الأخير إلى أجندة البرد والسلام بحيث نستطيع أن نقرأ في هامش الصفحة الخامسة، وتحت قائمة أسماء الدكاترة الثمانية الذين تتألف منهم هيئة التحرير، الملاحظة الواثقة التالية: المواد المنشورة في المجلة لا تعبر بالضرورة عن رأي وزارة الثقافة، ويكاد المرء أن يقسم غير حانث، أن عسل هذه العبارة كاف لإغراق جيش من الحالمين، المتشككين، ممن يمكن أن يتساءلوا بكل النوايا الطيبة الموجودة في العالم، عن درجة الاختلاف عن رأي الوزارة المسموح به في مجلة الوزارة، حتى بعد أن علمنا وتأكدنا على مسولية ثمانية دكاترة أنه أخيرا انتفت (الضرورة) من المشهد الثقافي الجزائري، وأن لا شيء يحدث (بالضرورة)، نسأل ماذا بخصوص (المختلف جدا) والمختلف إلى حد التناقض وكل ما يمكن أن يوصف بأنه (أسوأ من مختلف) في ذلك السلم الرقابي المؤلف من ثماني درجات، أو ذلك الغربال بثمانية عيون، المؤلف من كل ما تتألف منه الغرابيل الحساسة القادرة على حفظ كل التوازنات الصعبة أو المستحيلة تقريبا على من لم يكن ساحرا أوبهلوانا. أشياء الملوك ليست دائما ملوك الأشياء فليعلم من لم يكن يعلم، وعلى لسان السيدة الوزيرة نفسها، أن قارة إفريقيا ليست فقط منطقة جغرافية من كبريات مناطق العالم، بل هي أيضا قارة تزخر بثقافات متنوعة متميزة وعريقة، والله وحده يعلم منذ متى لم نقرأ هذا اللفظ: كبريات مناطق العالم! الذي لا يمكن أن يوجد ما هو أكثـر منه شفاء لغليل الظامئين، ويرتفع منسوب (الري) في مقدمة رئيس التحرير، الدكتور إبراهيم سعدي، إلى حد تأكيد أن الإنسان على خلاف الحيوان لا يستطيع أن يقنع بمجرد تلبية حاجاته الطبيعية الضرورية لوجوده واستمرار بقائه، من أكل وشرب ونوم وتناسل، فلله الحمد أنه لا يقنع بالأكل والشرب والتناسل. إن هذه هي (آراء وزارة الثقافة) التي تسمح للجميع بأن يختلفوا عنها، فلو لم يكن هناك سبب كي يكون المرء سعيدا جدا باختلافه، فهذه المجلة الوزارية التي تحاول أن تضع قدما في أرض الدبلوماسية وقدما أخرى في أرض الإبداع، تمنحه كل غبطة وفخر أن يكون مختلفا. الصورة النفطية للجرح الإفريقي هل كان من المبالغة أن ننتظر من الأكاديمية المصغرة المؤلفة من ثمانية دكاترة، ميلا أو عكوفا جادا على الظاهرة الثقافية الجزائرية وتعريضها للضوء الساطع للخبرة الأكاديمية، أو أي شيء إلا التعبئة العامة من أجل منع اصطياد (أطفال الفُقمة) في القطب الشمالي في زمن الطفولة المسلحة بالسكاكين والأقراص الحمراء في شوارع ومدارس المدن الجزائرية، شيء آخر غير الساحة في قلب الجرح الإفريقي، برسم المهرجان الإفريقي، الذي تبدو فيه إفريقيا السعيدة، الشبعانة، القادرة على تذوق ترف الموسيقى الكلاسيكية، ومسرح اللامعقول، والرقص على أنغام ( الطام طام) بأذرع وسيقان الجوع والعبودية والمذابح والصفاقة العالمية، صفاقة التغطية والكذب والتبرير. وبدل صورة الفتاة السوداء الفاتنة، على غلاف (مجلة الثقافة) ربما كان يجب وضع كمشة العظام لطفل يحتضر جوعا تحت أنظار النسور التي تهم بتمزيقه حيا.. وبالطبع لن يكون من الثقافة الدبلوماسية في شيء، لكنه صميم ولب الثقافة الإبداعية، وذلك هو نفسه صميم (المختلف جدا) الذي هيهات أن ينجح في المرور عبر المصفاة ذات الثمانية صمامات أمان وتأمين. مجلة الكوكب السعيد! ما الذي يمكن أن يأخذه المرء على مجلة (كاملة بكل المقاييس الشكلية والمنهجية، توفر لها كل التألق وكل الحس السليم الممكن أن توفره في هيئة تحرير استثنائية تجعلك تتساءل إن كان يوجد في حاشية ملكة بريطانيا ثمانية دكاترة.. أو حتى في البيت الأبيض نفسه.. مجلة كاملة في (دراساتها) و(ملفاتها) و(حوارتها) و(صفحاتها التاريخية) بحيث لا يمكن الإفلات في معظم الصفحات من قبضة الدالات الخطيرة نسبة إلى دال الدكتوراه المدججة بالحس السليم، الواقفة بالمرصاد لكل الخبثاء ممن اعتادوا انتقاد الجنة نفسها.. ما الذي سيتحقق إزعاج العقل الأكاديمي من أجله؟ إنه شيء واحد لا أكثـر، وهو نفسه جوهر كل الاعتراضات أو(التمحكات) السابقة: إنها مجلة مكتوبة لعهود السلام والرخاء والعافية المادية والمعنوية، إنها المجلة التي تتقاطع وتتناصّ مع خطاب واحد هو خطاب المجد والرشاد والأزمة ا لماجدة الرشيدة، أي مع أقل الخطابات والنصوص ملاءمة للواقع المحلي ( أي من هنا إلى بغداد) والواقع العالمي ( أي من هنا إلى بغداد مرة أخرى). إن العالم المعقم تعقيما صحيا الذي ترسمه هذه المجلة على صفحاتها هو عالم غير مضروب قطعا بأي نوع من أنواع الإحتباس، إلى الحد الذي يسمح بالظن بأنه عالم غير مقصود أو مشمول في الآية الكريمة: "ثم رددناه أسفل سافلين" والأغلب أن (آدم) هذه المجلة إنما رأى الأرض في أحد كوابيسه، ولم يحدث قط وأن غادر الجنة، ومازال بوسعه أن يقرأ على ضفاف أنهار الجنة: "الاحتكاك بين البشر وما ينجر عنه من تفاعل بين الثقافات، هو أمر صحي ولا مفر منه". وبوسعنا أن نتخيل التأثير الحاسم لهذه العبارة الدكتورائية في قرارات (هابيل) المستقبلية، هابيل آخر في العالم الآخر الذي لا نغرق فيه قليلا إلا ليقال لنا: صحّ النوم!   محمد. ب      


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)