لماذا أضيفت صفة الخُلُق إلى صفة الدِّين في قوله صلى الله عليم وسلم:إذا جاءَكم من ترضَونَ دينَهُ وخلُقَهُ فأنكِحوهُ
إن استحضار مقياس الاستقامة الخُلقية في الحكم على الناس عاصم من الغرر والضرر ومن الانخداع بالمظهر لأن التدين قد يكون شكلاً مبتوت الصلة بثمرته وهي الخُلق وقد يكون شكلاً يغطي رذائل شتى.. فالشكل الديني لا يكفي للحكم على الناس بالإستقامة..
ولذا جاء في الحديث النبوي: إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ . رواه الترمذي عن أبي هريرة
وفي رواية أخرى: إذا جاءَكم من ترضَونَ دينَهُ وخلُقَهُ فأنكِحوهُ إلَّا تفعَلوا تكُن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإن كانَ فيهِ! قالَ إذا جاءَكم من ترضونَ دينَهُ وخلقَهُ فأنكِحوه. ثلاثَ مرَّات .
فلماذا أضيفت صفة الخُلق إلى صفة الدين هاهنا؟.
ولماذا لم تكن صيغة الحديث إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه فحسب؟.
يحتمل أن هذا من باب عطف الخاص على العام فالخلق وإن كان فرداً وجزءاً من أفراد وأجزاء الدين لكنْ عَطَفَهُ على الدين لأهميته نظير هذا قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى . [البقرة- 238] فالصلاة الوسطى هي صلاة العصر وهي إحدى الصلوات وداخلة في عموم قوله حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ولكن أفرد ذكرها فعطفها على باقي الصلاة لأهميتها.
فالخُلق لما كان مهماً جداً في الإنسان عطفه على الدين وإن كان هو من الدين.
ويحتمل أن الخُلق أمر زائد عن الدين أو التدين وهذا أيضاً معنى لطيف ومطلب عزيز والمتأمل لحال كثير من المتدينين يلاحظ مع كونهم متدينين إلا أن جانب الخلق ينقصهم كثيراً كما قد تجد بعض الناس على خلق في تعامله مع الناس ولو كان قليلَ التدين.
فتأكيد الحبيب عليه الصلاة والسلام على الأخلاق في الحديث وذلك حين ذكر الرضا بالدِّين ثم بالخُلُق مع أن الدِّين يشمل الأخلاق ولكنه التركيز على الكلِّي ثم الجزئي لأهميّته..
وذلك أن الأخلاق تحوي أبواباً عدّة كالصدق والأمانة والتواضع والتسامح والرفق واللطف والرحمة والكرم والشجاعة واللين والوفاء والإخلاص والإيثار وغيرها.. وقد ترفض المسلمة الخاطب لتجرّده من الكرم مثلاً وبذلك لا تكون قد ارتضت منه خُلُقاً! فلا يكفي أن يقول لها الناس أن فلاناً –أو فلانة- صاحب دين وخُلُق بل يجب على كل طرف أن يدرس شخصية الطرف الآخر ليرى هل يرضى أخلاقه الذي يريدها هو أم لا! وعلى الفتاة أو وليّها أن لا يُخْدَعا بمواظبة الخاطب على الصلاة في المسجد فلعله يكون ملتزماً بها ولكن أخلاقه ومعاملاته تكون سيئة فيقعان في جبّ كبير.. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيئ الخلق إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه وإن العابد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقتوه .
لأن المعنى الأصيل للتدين أن يكون حركة قلب أما المراسم فلا دلالة لها على شيء ومن عجز عن تصحيح قلبه ولبه فهو عما سواهما أعجز ويوم يتولى عملا ما في المجتمع فسوف يكون نموذجا للفشل لأنه لن يدفع تيارات الحياة إلى حيث يجب بل ستدفعه هذه التيارات إلى حيث تشاء..
فالإسلام ليس كلمة أو مظهرا بل الإسلام عمل صالح وسلوكيات راقية وكم نحن بحاجة جميعا إلى فهم المقاصد الشرعية وإعادة تقييم حياتنا وفقا لمنهج الإسلام.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/07/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشيخ أبو إسماعيل خليفة
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com