رأيت نفسي بعد إغفاءة أسير باتجاه باب الوادي بالعاصمة، وكنت وأنا نائم، أشعر بانقباض وضيق في التنفس، لاتسألني عن السبب لأنني كنت نائما أصارع الأحلام التي تنتهي عادة بكوابيس مفزعة، وأثناء السير، وفي مدخل باب الوادي، رأيت ثلة من الأشخاص يتقدمهم رئيس لجنة مراقبة الواجهات ومدى ملاءمتها لروح العصر، كان رئيس اللجنة طويل القامة، جميلا، أبيض البشرة، أشقر الشعر، يظنه الرائي أوروبيا، ومن يسمع حديثه مع أعضاء لجنته يجزم أنه فرنسي أو «أكثر» ..
كان أعضاء اللجنة يحملون في أيديهم دفاتر يقيدون عليها ملاحظات رئيسهم .. هو لا يحمل شيئا، لا دفترا ولا قلما. ربما لا يقوى على حملها أو لعل واجب المسؤولية يمنعه من ذلك.. لم أكن مندهشا لعمل هذه اللجنة، لأنني كغيري، ألفنا روتينها على مدار العام، لكن الفضول شدني إليها لتمضية الوقت والتسلية التي لا تخلو من الفرجة دائما.. سأل رئيس اللجنة أتباعه في التفاتة متعالية: ما اسم هذه المدينة؟ أجابوه في استغراب: هذا حي، حي باب الوادي! لم يشعر بالحرج.. قال لهم في لغة آمرة: يجب أن نغير اسمه، نجعله «وادي الباب» أو « وادي» فقط بدون باب، قال أحدهم وكان ينتظر التفاتة من رئيسه: نسميه «باب» بدون وادي، ويبقى هذا الباب مفتوحا تفاؤلا.. قال رئيس اللجنة: المهم التغيير والتجديد، وحتى هذا السفح الحجري النازل من الجبل يجب أن نغير ملامحه واسمه، فاسم القصبة مبعث للتشاؤم، فلنسمه الهضبة أو البهجة أو... كان أتباعه كالتلاميذ يسجلون كل حرف يتلفظ به، ويحركون رؤوسهم إعجابا بملاحظاته القيمة.. استطرد قائلا: يجب ترميم هذا السفح الحجري النازل، وطلاء واجهات البنايات العتيقة، وترصيف أزقتها، ووضع لوحات إشهارية في أعلى كل البنايات، ثم نحث، وإن دعت الضرورة، نجبر سكانها بالبقاء فيها، ليقدموا خدماتهم للسياح الأجانب عندما تزدهر السياحة في بلادنا بفضل البرنامج الخاص المتعلق بتطوير السياحة والحفاظ على الهياكل الأثرية وساكنيها.. قال أحد أتباعه وكان ينتظر ترقية هو الآخر: لقد قاومت القصبة عاديات الزمن وتقلباته وهزاته، وكذا سكانها، وهم لذلك يحتاجون منا التفاتة طيبة، فيجب أن نحافظ عليهم كمادة سياحية وكنز ثمين.. ثمن رئيس اللجنة تدخله وطلب من باقي عناصر اللجنة تدوينه على دفاترهم .. تقدم الوفد وسط نظرات الناس وتطفل المارة، وأسئلة الأطفال، حتى توغلوا داخل حارات وأزقة باب الوادي، ومنها صعودا إلى أزقة القصبة الملتوية، الصاعدة، النازلة، والوقوف دقائق على أطلالها للتفرج على من فيها وملاطفتهم وتصويرهم، وطلب منهم أعضاء اللجنة المحترمون ألا يغادروا بيوتهم لأن الجو متقلب، وقد يتعرضون لمكروه أو نزلة برد إن هم خرجوا، ولأن كل الأماكن والبنايات خارج القصبة هشة.. ولما أفقت من النوم، وجدت بطني يؤلمني من شدة الضحك.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/03/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : بن موسى لحرش
المصدر : www.el-massa.com