الجزائر

أين‮ ‬سيف‮ ‬الحجاج؟



أين‮ ‬سيف‮ ‬الحجاج؟
بلغني أن ثلاثة منتخبين في ولاية الشلف قد أودعوا خلال الأيام القليلة الماضية السجن في قضية التلاعب بقفة رمضان، وكُيفت القضية ضدهم على أنها جنايات، لمجرد أنهم متهمون بتحويل قفة رمضان وقيمتها 3 آلاف دينار من مستحقها الحقيقي إلى مستحق مزيف، ثبت أنه ليس في حاجة‮ ‬إلى‮ ‬تلك‮ ‬الإعانة‮ "‬المذلة‮" ‬التي‮ ‬تحاول‮ ‬أجهزة‮ ‬الدولة‮ ‬أن‮ ‬تقنعنا‮ ‬بأنها‮ ‬صيغة‮ ‬من‮ ‬صيغ‮ ‬التضامن‮ ‬الاجتماعي‮..‬

وبقدر ما أعجبني الحزم والجزم والصرامة التي عولجت بها القضية، بقدر ما تأسفت شديد الأسف، لأن أجهزة الدولة تستأسد فقط على الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة، وتقف تلك الأجهزة بجبروتها عاجزة أمام فساد المفسدين، الذين ينهبون خيرات البلد ويهربونها إلى الخارج، ولأنهم‮ "‬حوت‮" ‬من‮ ‬النوع‮ ‬الكبير‮ ‬فلا‮ ‬أحد‮ ‬يجرأ‮ ‬على‮ ‬تطبيق‮ ‬القانون‮ ‬ضدهم‮ ‬بتلك‮ ‬الصرامة‮ ‬التي‮ ‬طبقت‮ ‬على‮ ‬المتهمين‮ ‬في‮ ‬قفة‮ ‬رمضان‮.‬

والحقيقة التي أصبحت ماثلة للعيان في بلادنا أن القانون للأسف ليس فوق الجميع، فالسجون الجزائرية تأوي العشرات بل المئات من المنتخبين المحليين والإطارات والكوادر الإدارية، التي لا شك تدفع ثمن نهب المال العام وإهداره وتحويله إلى مسارات مصلحية وشخصية، لكننا لم نر ولم نسمع أن وزيرا ما حوكم وسجن بتهمة الفساد، في بلد معروف عنه استشراء الفساد وانتشار المفسدين على نطاق واسع في هياكل الدولة، وأكثر من ذلك يمكن لصاحبنا مختلس قفة رمضان أن يعاقب بسبع سنوت سجنا، في الوقت الذي يعاقب فيه عاشور عبد الرحمن مختلس 3200 مليار بـ15‮ ‬سنة‮ ‬سجنا‮ ‬فقط،‮ ‬وكأني‮ ‬بالمنظومة‮ ‬القانونية‮ ‬والإدارية‮ ‬والأخلاقية‮ ‬في‮ ‬بلادنا‮ ‬تحرض‮ ‬الإطارات‮ ‬والموظفين‮ ‬على‮ ‬أن‮ ‬يؤَمّنوا‮ ‬مستقبل‮ ‬أبنائهم‮ ‬مقابل‮ ‬بضع‮ ‬سنوات‮ ‬يقضونها‮ ‬داخل‮ ‬السجن‮!‬

نقول هذا الكلام لأن الفساد الحقيقي الذي ينخر البلاد لايتعلق بقفة رمضان ولا بالمنتخبين المحليين، بل تقوم به وتحميه بارونات تستولي على مصادر الدخل وتحتكر الكثير من مجالات الاستيراد والتصدير وتحتكر حتى المعلومة الاقتصادية التي تجعل الجزائريين لا يعرفون حتى أين تذهب مداخيل النفط التي تصنع الفارق بين السعر المرجعي المعتمد في الميزانية، والسعر الحقيقي للبرميل في الأسواق العالمية، إلى درجة أننا أصبحنا في الصحافة الوطنية نفجر في اليوم الواحد عشرات القضايا المتعلقة بالفساد، ثم نكتشف أننا نخاطب أنفسنا مثل الطرشان؛ فلا أحد من مسؤولي أجهزة الدولة باستطاعته استخراج سيف الحجاج، الذي كثيرا ما سمعنا عنه وانتظرناه، لكن للأسف لم نره ولم نر حتى ظلّه.. وحتى عندما فُتح ملف الخليفة قلنا إنها الفرصة التي تتصالح فيها الدولة مع شعبها بمعاقبة المفسدين مهما كان مستواهم ومنصبهم، إلا أننا‮ ‬رأينا‮ ‬سيف‮ ‬الحجاج‮ ‬يقطع‮ ‬رؤوس‮ ‬صغار‮ ‬المفسدين‮ ‬الذين‮ ‬سرقوا‮ ‬ملايين‮ ‬السنتيمات،‮ ‬ويغض‮ ‬الطرف‮ ‬عن‮ "‬الحوت‮ ‬الكبير‮" ‬الذي‮ ‬نهب‮ ‬ملايين‮ ‬الدولارات‮..‬

أصبحنا‮ ‬للأسف‮ ‬في‮ ‬الصحافة‮ ‬نكتب‮ ‬كثيرا‮ ‬عن‮ ‬الفساد‮ ‬ولكن‮ ‬لا‮ ‬نؤثر‮ ‬إطلاقا‮ ‬في‮ ‬سيرورة‮ ‬العجلة‮ ‬الاقتصادية،‮ ‬بل‮ ‬ويزداد‮ ‬حجم‮ ‬الفساد‮ ‬وتغوّل‮ ‬المفسدين‮ ‬كلما‮ ‬شاعت‮ ‬أخبارهم‮..‬

ولعل صرف أكثر من 6 آلاف مليار على احتفالات الخمسينية واحد من مظاهر النهب والفساد باسم الثورة والاستقلال، بينما الجزائريون في حاجة إلى من يأخذ بيدهم من مستنقعات الفقر والضياع والانتحار والحرقة والجريمة.. وفي حاجة إلى من يضرب على أيدي "السراقين" و"الباندية" في أجهزة الدولة ممن يعطّلون عجلة التطور، ويقتسمون مع الشعب خيراته دون وجه حق.. شباب عاطل بطال لايجد حتى فرصة أمل، وبارونات تنهب وتهرب وتخطف العقارات وتغرف من كل مشروع عُشره على على الأقل، حتى صارت نسبة 10٪ شائعة ومعروفة في أوساط المقاولين والمستثمرين الذين‮ ‬يتعاملون‮ ‬مع‮ ‬بعض‮ ‬إطارات‮ ‬الدولة‮ ‬المريضة‮ ‬قلوبهم‮.‬

هذه‮ ‬الدولة‮ ‬التي‮ ‬تقوى‮ ‬فقط‮ ‬على‮ ‬متابعة‮ ‬ومحاسبة‮ ‬صغار‮ ‬المفسدين‮ ‬وتقف‮ ‬مثل‮ "‬البومة‮" ‬أمام‮ "‬الحوت‮" ‬الكبير،‮ ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬تعمقت‮ ‬معها‮ ‬الفجوة‮ ‬بين‮ ‬شعب‮ ‬فقير‮ ‬ودولة‮ ‬غنية‮ ‬تمتلك‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬إلا‮ ‬رضا‮ ‬شعبها‮..‬

فأين‮ ‬نحن‮ ‬من‮ ‬قوله‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ "‬لو‮ ‬أن‮ ‬فاطمة‮ ‬بنت‮ ‬محمد‮ ‬سرقت‮ ‬لقطع‮ ‬محمد‮ ‬يدها‮"‬؟‭..‬



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)