"بيان 1 نوفمبر كتبه بوضياف بخط يده وكان على وشك أن لا يُذاع"
شيخ الإعلاميين العرب وهو أول من تلا بيان ثورة أول نوفمبر الذي كتبه محمد بوضياف بخط يده،، كما قال أحمد سعيد، مؤسس صوت العرب الذي يعتبر أول من أعلن للعالم اندلاع ثورة التحرير الجزائرية عبر الأثير.. 87 سنة من العمر وذاكرة قوية يحسد عليها .. عن بيانات نكسة 67 التي تسببت في تنحي جمال عبد الناصر .. وعن علاقة بن بلة ببومدين .. وبوتفليقة الزبون ”الباشا” في فندق سان جورج... يحدثنا أحمد سعيد في هذا الحوار الذي أجريناه معه في بيته بالقاهرة.
أولا؛ أستاذ أحمد، كيف بدأت علاقة إذاعة صوت العرب مع الثورات التحريرية؟
لقد وجد قادة الثورات في القاهرة ثلاثة أشياء كانت هامة بالنسبة لهم، نظام جديد يدعم الثورات العربية، وجامعة الدول العربية مقرها القاهرة وإذاعة صوت العرب التي تم إنشاؤها من طرف المخابرات المصرية، بطلب من عبد الناصر، لدعم قضايا التحرير في العالم العربي.. وكانت البداية من دعم الثورة في المغرب والملك محمد الخامس الذي تعرض للنفي،، هكذا نشأت إذاعة صوت العرب لتنتقل إلى الجزائر .. وكان الراحل احمد بن بلة أول موفد من طرف زعماء الثورة إلى القاهرة لدعم محمد خيضر الذي كان ينشط في القاهرة .. ووصل أحمد بن بله إلى القاهرة في أواخر سبتمبر 1953 أي بعد أشهر فقط من تأسيس إذاعة صوت العرب.
بالإضافة إلى بن بلّه، من هم القادة الثوريين الجزائريين الذين إلتقيت بهم؟
بحكم ظروف عملي أتيحت لي فرصة اللقاء بعدد من قادة الجزائر الثوريين وكان أول لقاء لي ببومدين في الأسكندرية، عندما كان يقوم بتجهيز سفينة ”الملكة دينا”، لإرسال الأسلحة إلى الجزائر وكان بومدين من ضمن الذين أشرفوا على تنقل الأسلحة المتجهة إلى الجزائر، ظل بومدين بعيدا عن الإعلام وغادر مصر متجها إلى المغرب مباشرة بعد انتهاء فترته التدربية في مصر.
كيف كان أول لقاء جمعك ببن بلة وكيف وجدت شخصيته في ذلك اللقاء الأول ؟
لم نكن نتصور أحمد بن بلة سوى أنه شاب جزائري يدعى ”مزياني مسعود” وهو الاسم الحَركي الذي دخل به مصر لأول مرة بجواز سفر فرنسي مزور ولم نعرف الاسم الحقيقي لبن بلة، إلا في أفريل 1954 .. لقائي ببن بلة كان في مكتبي بصوت العرب وقد عرّفني بنفسه بصفة لاجئ اسمه ”مزياني مسعود”، جاء عبر البحر إلى القاهرة من الاسنكدرية وكان من الطبيعي أن يزور بن بلة مكتب صوت العرب، لأنه لم يكن يستطيع أن يطلب مقابلة المخابرات المصرية أو مجلس الثورة المصري. قبل أن يصبح معروفا جدا لدينا وفي العالم أيضا، فقد أصبح يسافر ويتنقل كثيرا بين مصر وليبيا. كما أن بلة كان يقرأ بيانات كثيرة بصوته عبر أثير إذاعة صوت العرب، فحتى بعد الاستقلال ظل بن بلة يحكي قصة الثورة الجزائرية في حلقات اسمها ”رحلة الألفين فرنك”. والتي كان معناها أن بن بلة زار أول مرة مصر وفي جيبه فقط عشرون فرنكا.
ما هي المطالب التي كان يحملها بن بلة في أول زيارة؟
تحدثت معه قليلا؛ ثم طلب أن أرشده إلى طريق جامعة الأزهر التي كان يدرس بها العديد من الجزائريين وعلى رأسهم هواري بومدين، لقد كان حريصا جدا على إخفاء هويته الحقيقة، ولم يتقدم بأي طلبات مباشرة ولكنه قال بالحرف الواحد، إن ”لديه معلومات تفيد بأن هناك غضب في الجزائر سوف يتحول إلى كفاح مسلح” ولم يعطنا أي تفصيلات أخرى.. وفي 4 أفريل 1954، اجتمع لأول مرة زعماء المغرب العربي المنفيين في مصر في الجامعة العربية مع الأمين المساعد للجامعة العربية عبد المنعم مصطفى ورئيس المخابرات المصرية فتحي الديب، وفي هذا الاجتماع شارك احمد بن بلة باسم مزياني مسعود لأول ولآخر مرة، وقدم محمد خيضر أحمد بن بلة بصفته ممثلا لتوجه جديد من شباب الجزائر لانتزاع حقوق جزائرية من فرنسا بالكفاح المسلح ،، ثم قدمه ليتحدث باسم المجموعة التي قررت أن تقود الكفاح المسلح في الجزائر وألقى بن بلة خطابا في جامعة الدول العربية باللغة الفرنسية واعتذر عن ضعف مستوى اللغة العربية لديه وقدم حديثا أغلبه باللغة الفرنسية وكان معظم حديث بن بلة مع عبد الناصر باللغة الفرنسية مع مترجم.
وكيف انتقلت الثورة إلى استديوهات إذاعة صوت العرب؟
عقب الاجتماع العربي الهام، تقرر تنظيم حملة إعلامية لدعم الثورة الجزائرية من خلال حشد الجماهير والشعب الجزائري إعلاميا لإعادة بث روح الثورة والكفاح لدى الشعب الجزائري الذي كان قبل اندلاع ثورة 1 نوفمبر محطما نفسيا ومستعدا لقبول أي اتفاقيات تعرضها فرنسا، هذا الكلام قاله لي بن بلة ومحمد خيضر وكل القيادات الثورية التي التقيتها خلال رسم العملية الإعلامية لصوت العرب والتي تعتبر البوابة الوحيدة للحشد الثوري في ذلك الوقت،، وتم بالفعل تنظيم الحملة التي انطلقت بعد شهر من عقد اجتماع جامعة الدول العربية، واستعنّا في البداية بصوت بن بلة ومحمد خيضر وكوكبة أخرى من اللاجئين العرب .. هواري بومدين في تلك الفترة كان لايزال طالبا في الأزهر ولم يكن معروفا لدينا،، نحن لم نسمع ببومدين إلا قبل الثورة بثلاثة أيام.
في الثورة ليس هناك انتصار مطلق ولا هزيمة مطلقة، كيف كنتم تتعاملون مع الفترات الصعبة التي تمر بها الثورة؟
كانت تأتينا أوامر من قادة الثورة بتخفيف حدة الرسائل الإعلامية وعدم بثّ روح الثورة بقوة لدى الشعب الجزائري، خصوصا عندما تتعرض المناطق الجزائرية إلى هجمات ومجازر شرسة من قبل القوات الفرنسية وهذا من أجل التخفيف على العائلات الجزائرية معاناتهم، كنا نخفف من حدة الرسالة الإعلامية كي تشعر فرنسا أن البلاد بدأت تهدأ وتتوقف عن قتل الجزائريين.
هل تتذكر أهم المراحل التي طلبكم فيها قادة الثورة بتخفيف حدة الرسائل الإعلامية الثورية ؟
نعم، أذكر مثلا أن قيادة الثورية الجزائرية، طلبت منا عدم مهاجمة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان يمنع قوافل الأسلحة من دخول الأراضي الجزائرية لدعم الثورة في فترة من الفترات، كما أنه شن حملة اعتقالات ضد الجزائريين في تونس وقطع التمويل على قسنطينة والأوراس، وكان سبب مهاجمتنا للحبيب بورقيبة أنه كان يريد الصلح مع إسرائيل وبسبب مهاجمتنا له صب غضبه ضد الجزائريين والثورة الجزائرية.
حكاية بيان أول نوفمبر ..
نعلم أنك أول من ألقى بيان أول نوفمبر بصوته عبر أثير إذاعة صوت العرب، متى تسلّمتَ بيان أول نوفمبر ومن سلّمه لكم ؟
بيان أول نوفمبر جاء به إلى القاهرة محمد بوضياف الذي كتب البيان بخط يده وأعانه في ذلك ديدوش مراد، والنسخة لا تزال محفوظة في أرشيف جهاز المخابرات المصرية وهي النسخة التي سلمنا إياها محمد بوضياف وكانت مكتوبة باللغتين الفرنسية والعربية من أجل بثها عبر أثير صوت العرب، من أجل أن يكون للثورة الجزائرية صدى إعلاميا لدى الشعوب العربية ككل. عقدنا اجتماعا في غرفة المخابرات المصرية وتم طباعة البيان يوما قبل اندلاع الثورة،، ثم تم تسليم البيان لي وكنت أول من قرأه عبر أثير الإذاعة وهذا شرف عظيم لي.
قبل إذاعة البيان انتظرنا إعلان وكالة الأنباء الفرنسية عن تنفيذ المجاهدين الجزائريين للعمليات التفجيرية المتفق عليها في الجزائر. وقد كان نجاح الثوار في القيام ب16 عملية منها 1 على الأقل في العاصمة هو الشرط الأساسي الذي حدد بين مصر ومحمد بوضياف لإذاعة بيان أول نوفمبر عبر أثير صوت العرب. وبعد نجاح الثوار في القيام بعملية تفجير بمقر الإذاعة بالعاصمة وقيامهم ب16 عملية ثورية في 1 نوفمبر أعطيت لي التعليمات من المخابرات المصرية بقراءة البيان وأعدنا إذاعته 7 مرات من الساعة 11 ليلا يوم 1 نوفمبر 1954 إلى اليوم الموالي.
هل يعني أن بيان أول نوفمبر كان مهدّدا بأن لا يذاع ؟
الثورة الجزائرية لم تكن لتقوم يوم 1 نوفمبر وإنما يوم 30 أكتوبر، ولكنها أجلت لمدة 24 ساعة بسبب مشاكل في منطقة قسنطينة، ولقد قدم لنا محمد بوضياف البيان وكشفا بالعمليات التي سيقوم بها الثوار، وانتظرنا معلومات تنفيذ العمليات، وأحمد بن بلة متواجد في ليبيا أين اتصل بفتحي الديب ليؤكد له تأخر توقيت اندلاع الثورة. وحتى جمال عبد الناصر قلق من تأجيل الموعد فلم نقم ببث بيان أول نوفمبر، شعرت حينها باليأس وأنا أحمل معي البيان الأول، ومرّ اليوم حتى جاءنا أول خبر على الساعة 8 مساء يوم 1 نوفمبر وكان الخبر على لسان فرانس براس، ولكن لم نقم ببثّ البيان حتى تنفيذ العمليات على مستوى المناطق المختلفة في الجزائر، كما كان متفقا عليه. ووفق كشف العمليات الذي سلم لي فإن الثوار في الجزائر اتفقوا على تنفيذ 80 عملية في أول نوفمبر، حيث طلب جمال عبد الناصر عدم إذاعة البيان، إلا إذا اعترفت فرنسا بحدوث 16 عملية وواحدة منها في العاصمة.. وهذا الشرط حدده جمال عبد الناصر لأن إذاعة بيان بهذا الحجم دون تنفيذ الثوار للعمليات، كان سيؤدي إلى تعرض مصر إلى مشاكل مع فرنسا التي كانت ستعتبر البيان تحريضا مصريا ضدها.
النكسة وبيانات صوت العرب
في سياق آخر، كان لإذاعة صوت العرب دور مهم جدا خلال حرب النكسة، هل كنت تعلم بأن البيانات غير صحيحة وأنت تقوم ببثها ؟
في النهاية، أنا كانت لي مهمة رسمية، ولم أكن أعلم بأن البيانات غير صحيحة وكنت أعتقد بصحتها لمدة نصف يوم كامل، بعدها أصبحت أعرف أن البيانات غير صحيحة وأن الجيش العربي يتعرض لإبادة في ساحة الحرب على يد الآلة العسكرية الإسرائلية. ولم أكن أستطيع أن أقوم بنقل تلك الصورة عبر الإعلام فهذا لم يكن في صالح مصر والجنود الذين كانوا يواجهون المصير المجهول في ساحة الحرب، وأنا كنت ملتزما بأن أرفع في قلوبهم الأمل ولا يمكن أبدا أن أدفع بهم نحو اليأس.
هل تعتقد أن أحمد سعيد يتحمل جزءا من مسؤولية هزيمة العرب في النكسة؟
كل واحد وله قدره، وفي النهاية أنا كنت مسؤولا عن الإذاعة والتوجيه السياسي في الحرب ولم يكن لدي إلا مهمة واحدة أثناء الحرب وهي بث روح رفض الهزيمة لدى الملايين من الشعوب العربية ولم تكن مشكلة جمال عبد الناصر أبدا وإنما ضياع الأمة وهزيمتها، فعبد الناصر استغل رصيده الشعبي القديم وكان يدرك أن الشعب سيعيده بعد تنحيه، أما أنا فقد كانت مهمتي واحدة هي ملايين العرب الذين كانوا يسمعون صوت العرب وكان صعبا جدا الحفاظ عليهم بعد إعلان تلك البيانات.
نحن اليوم أمام مشهد ثوري جديد في العالم العربي، كيف تراقب الأحداث وكيف تقيم آداء الاعلام العربي تجاه ما يطلق عليه اسم ”الربيع العربي”؟
أولا؛ أرجو أن تكون الأحداث في العالم العربي في مستوى الربيع وأن لا تكون خريفا، وألوم على المثقفين الذين لا دور إيجابي لهم في هذه الأحداث التي تمر بها الدول العربية، أما بالنسبة لأداء المؤسسات الإعلامية كالجزيرة والعربية وغيرها ، فهي في الاخير تخدم أجندات معينة لصالح قطر والولايات المتحدة، وهذا واضح جدا. الجزيرة مثلا تقع على بعد أمتار على أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخليج ولا يعقل أن تقوم بتوجيه رسائل لا تخدم المصالح الأمريكية. واليوم الدول العربية محتلة من جديد احتلالا اقتصاديا وسياسيا وذلك بسبب تراجع دور النخبة المثقفة، فحتى في مصر التحالف الأمريكي مع المجلس العسكري يخلط الأوراق بشكل خطير. في مصر المطلوب أن يكون دورها خلف الستار وأن لا يظهر لها أفق في المستقبل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : في علال محمد
المصدر : www.al-fadjr.com