الجزائر

أمهات يعدن للعمل على مرارة مفارقة فلذات أكبادهن بعد انقضاء عطلة الأمومة



أمهات يعدن للعمل على مرارة مفارقة فلذات أكبادهن                                    بعد انقضاء عطلة الأمومة
كان التحاق تلاميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي بالنسبة للكثير من الأمهات أمرا جد صعب، ففراق الأبناء بعد ست سنوات قضوا غالبيتها تحت أنظارهن ليس بالأمر الهين، وهناك منهن من تكون قد ذاقت تلك المرارة لدى التحاق طفلها بالطور التحضيري، أي في السنة الخامسة من عمر صغيرها، الذي يكون بدوره على موعد مع مغامرة فراق حضن الوالدة لأول، مرة لتختلف مع ذلك ردة فعل كل ابن مع هذا الفراق الاضطراري. فيما تعيش أمهات وضعية اضطرارية أشد صعوبة، هي مفارقة وترك فلذات أكبادهن عند مربيات فيما لا يتجاوز عمر الصغير الأربعة أشهر، وذلك بنهاية عطلة الأمومة.. لتعود الأم العاملة إلى منصبها وفي القلب غصة اسمها ترك الصغير عند الغير.
غصة تكون حارقة في أولى أيام العودة إلى منصب العمل، حسب الأمهات وأيضا حسب المربيات، اللواتي يروين قصصا ملؤها الدموع والحزن، تطغى على قلب كل أم وهي تضع ابنها صبيحة أول يوم من نهاية عطلة الأمومة عند الحاصنة، ويزداد ذلك الألم عندما تكون تجربة المرأة العاملة في ترك صغيرها عند الحاضنة الأولى في حياتها فيكون الفراق صعبا للغاية. فبعد أن كان الرضيع محور حياة الوالدة وهو تحت ناظريها في كل وقت تجد نفسها مجبرة على تركه للغير، وهو ما حدثتنا عنه السيدة صارة، من البليدة، التي قالت إنها أحست بأنها غير جديرة بلقب الأم وهي تترك ابنها عند الحاضنة، مضيفة “أعرف أن تفكيري هذا غير منطقي لكنني أحسست بخروج روحي من أحشائي وأنا أخلف ابنتي ورائي، فرغم صغر سنها رمقتني بنظرات كانت كلها لوم و عتاب وسؤال واحد “ماما لما تركتني؟”.
ورغم إدراك السيدة صارة أن ما تقوله وتحس به يعد في نظر البعض مبالغة كبيرة، إلا أنها لم تتمكن من حبس دموعها وهي تتحدث عن الأمر، و ضيف “أنا مضطرة للعمل و لولا ذلك لما تركت ابنتي”. أخريات يكون الفراق عندهن أهون من هذا الذي أحست به صارة، فالصغير الذي يترك لدى الجدة، خاصة إن كان والدة الأم يدع المجال واسعا للأم الشابة للعمل براحة ويقلص القلق عندها إلى حدود المعقول، فيكفي الاتصال بالوالدة مرة أو مرتين للاطمئنان لأن الوالدة الشابة تدرك أيّما إدراك أن والدتها ستعتني بصغيرها أكثر منها حتى، وأن كان هذه الاتصالات قليلة فهي مع المربيات أكثر وتنتهي دوما بسيل دموع عند الكثيرات، ما يضطر المربيات إلى وضع تعليمات خاصة تقر بعدم اتصال الأم بالمربية للسؤال عن صغيرها، وهو أمر قد لا تتقبله الأم لكنه بالنسبة لحاضنة الابن أمر ضروري، وإلا ما قامت بواجبها اتجاه الطفل وقضت وقتها في الرد على اتصالات الأمهات.
من جهتها، قالت فايزة، صاحبة الثلاثين سنة:”أجمل إحساس هو ذلك الذي انتابني وأنا احمل بين يدي ابني سامي لأول مرة، وبما أنني أعمل فأنا أفكر من الآن كيف لي أن أتخلى عن هذا الصغير الحلو الذي هو قطعة من روحي؟ وحتى أنني أفكر في ترك عملي وهو ما تركه زوجي لي كخيار رافضا أن يضغط علي، وهنا مكمن الحيرة عندي، فأنا ناجحة في عملي كعون مدني في سلك الأمن وأمامي فرصة لإثبات قدرتي والتقدم في مسيرتي المهنية، لكن الآن كل شيء تغير في حياتي وأعتقد أن أولوياتي ستتغير غير أني ساترك لنفسي فرصة التفكير مليا قبل اتخاذ أي قرار”.
قرار ليس من السهل اتخاذه، حسب جازية، التي قالت لنا إنها أرضعت ابنتها منذ ولادتها، فهي مع مبدأ الرضاعة الطبيعية وسبق لها أن مرت بتجربة ترك أولادها الذي التحقوا بالمدارس حاليا مع المربية، إلا أن ما يحز في نفسها في كل مرة اضطرارها لإعطائهم الحليب الاصطناعي بدلا من الحليب الطبيعي الذي تراه نعمة من الله، وتحس أنها تحرم صغارها منه بالرغم عنها.
وتبقى الساعتان اللتان أقرهما قانون العمل الجزائري للأم المرضعة العزاء الوحيد لمحدثتنا، التي تقول إنها تركض عائدة لمنزلها لأخذ صغيرتها في حضنها وإرضاعها مع تعويضها عن حنانها الذي افتقدته في يومها.
تعويض تحاول كل أم أن تبذل أحسن ما عندها لإيفاء صغيرها به، وإن كان في النفس حرقة إلا أن الظروف تبقى أقوى من الكثيرات اللواتي يرين في عودتهن إلى المنزل بمثابة عتق من جحيم فراق صغير قد يفطر قلب والدته، وهي تراه يتعلق بمربية ويبتسم لها.. فتحس أن هناك من يقاسمها قلبه فتزيد المعاناة التي لا يمكن أن يحس بها أحد إلا أم أخرى مرت بنفس التجربة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)