غداة إعلان ثورة فاتح نوفمبر 1954 أعطت قيادة حزب البيان نفسها مهملة كافية لدراسة الوضع الجديد، قبل إعلان موقفها في عدد 12 نوفمبر من "الجمهورية الجزائرية. لم يخرج حزب البيان بالمناسبة عن موقفه الإصلاحي التقليدي "الدعوة إلى حل سياسي في إطار اتحاد فرنسي، تتمتع الجزائر داخله باستقلال ذاتي".
واعتبر فرحات عباس ما حدث عنفا قائلا "مازلنا مقتنعين بأن العنف لا يساوي شيئا"..
وفي 24 نوفمبر فتح المجلس الجزائري نقاشا حول الوضع بعد "حوادث" ليلة الفاتح من الشهر، فتقدم الدكتور فرنسيس باسم حزبه بمشروع لائحة تجمع بين أدفة القمع من جهة، والدعوة إلى حل سياسي عبر إصلاح المؤسسات من جهة ثانية.
ووفاء للاختيار الإصلاحي دائما، يلتمس مشروع اللائحة من حكومة الجمهورية التعجيل بتفعيل إصلاح المؤسسات تماشيا مع تطلعات الشعب الجزائري ووعود الدستور الفرنسي"..
وأثناء المداولات تدخل الدكتور منددا بالقمع الأهوج الذي سارعت به إدارة الاحتلال، ردا على عمليات جبهة وجيش التحرير قائلا: "اسمحوا لي أن أعبر عن أمنية، ألا تتحول سلم فرنسا إلى سلم مقابر"!
وعندما شرع الوالي العام الجديد جاك سوستال في جس نبض الحركات السياسية لمعرفة مواقفها من الثورة، أناب حزب البيان عنه الدكتور فرنسيس للاتصال به، وكان رأيه "أن إعادة الهدوء مرهونة بالإفراج عن المساجين وعودة حرية التعبير".
وكان الحديث جاريا بومئذ عن إعلان وشيك لحالة الطوارئ فاغتنم الفرصة للتعبير عن مخاوفه، من أن تصبح غطاء لارتكاب العديد من التجاوزات، بعيدا عن أية رقابة..
وشارك حزب البيان بصورة عادية في انتخابات المجلس العمالية (الولائية) التي جرت يومي 17 و 24 أبريل، في ظل حالة الطوارئ المعلنة في بداية الشهر. لكن الأمور بدأت تتخذ منحى آخر، بعد اجتماع زعيم البيان فرحات عباس بكل من عبان وأوعمران في 26 مايو الموالي..
وفي صائفة نفس السنة سافر الدكتور فرنسيس رفقة أحمد بومنجل إلى باريس، في مهمة اتصال ببعض الشخصيات وممثلي التيارات السياسية، لجس النبض فيما يتعلق بآفاق الحلول السلمية للمشكلة الجزائرية، عن طريق التفاوض.. وقد التحق بها عباس هناك.. وكانت خلاصة اتصالات الوفد: أن الوضع غير مناسب للتفاوض بعد.
وفي سبتمبر لعب الدكتور فرنسيس ضمن منتخبي حزب البيان في مختلف الهيئات محليا وفرنسيا، دورا مشرفا، في إصدار "لائحة ال 61" الشهيرة.
تلكم اللائحة التي تشكل بداية قطيعة، بين نظام الاحتلال ومعظم المنتخبين الجزائريين بصرف النظر عن الأحزاب والهيئات التي ينتمون إليها.
تضمنت هذه اللائحة، الصادرة في 26 سبتمبر إدانة صريحة للقمع الأعمى الذي يضرب الأبرياء، في إطار تطبيق مبدإ "المسؤولية الجماعية"..
وردت على الإجراءات الإصلاحية التي كان يلوح بها سوستال بأن سياسة الإدماج تجاوزها الزمن.
وتؤكد اللائحة على الأسباب السياسية العميقة، للاضطرابات التي تعيشها الجزائر منذ قرابة السنة، موضحة بأن الأغلبية الساحقة من الشعب أصبحت تؤيد الفكرة الوطنية الجزائرية، وأن على المنتخبين أن يوجهوا مساعيهم لتحقيق هذا الطموح.
وأسس ال 61 لجنة تنسيق ومتابعة لتطورات الوضعية السياسية، عين فيها اثنان من قادة البيان هما الدكتور فرنسيس والمحامي قدور ساطور.
وكان للقاء الثاني لقيادة البيان مع عبان فاصلا، وقد تم بمنزل فرنسيس بالقبة يوم الأحد 8 ديسمبر 1955.. وعلى إثر الاجتماع أوقفت الشرطة عباس وفرنسيس، للاشتباه في السيارة التي كان يقودها مرافقهما مطالب رشيد عمارة، وبعد الاستماع إليهما بمحافظة الشرطة في القبة أطلق سراحهما، دون الطالب المرافق.
عقب هذا اللقاء أصدرت جبهة التحرير بيانا، دعت فيه إلى استقالة جميع المنتخبين في جميع الهيئات وامتثالا لهذا النداء أصدرت قيادة البيان بدورها بيانا في 23 من نفس الشهر دعت فيه منتخبي الحزب إلى الاستقالة.
وكان عباس وفرنسيس وساطور في المقدمة لإعطاء المثل.
ومن آثار هذه المقاطعة حل المجلس الجزائري في 11 أبريل 1956، بعد أن قدم رئيسه عبد القادر السايح نفسه استقالته في 24 مارس الماضي.
* صدر عن الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، الجزائر 2007
(1) في كتابه "عبد الناصر والثورة الجزائرية"، الصادر بالقاهرة سنة 1985
تاريخ الإضافة : 11/09/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com