أعوان الحماية المدنية دائما في الخط الأمامي لمواجهة مخاطر الحرائق، الفيضانات، الزلازل أو غيرها من الحوادث والكوارث الطبيعية.. يعرفون متى يبدأ دوامهم ولا يعرفون متى ينتهي، حيث قد يضطرون للعمل 24 أو 48 ساعة ليل نهار، دون انقطاع إذا ما استدعت حالة طارئة ذلك، وغالبا ما تكون ظروف العمل صعبة وتتطلب مجهودا جسديا جبارا.
صافرة التدخلات لا تتوقف
رجال المهام النبيلة أمام مخاطر يومية لإنقاذ الآخرين
يرفض أعوان الحماية المدنية أن يتم التعامل معهم بمجرد أجرٍ تمت مراجعته وتحسينه من خلال القانون الأساسي ونظام التعويضات، بل يريدون توفير الإمكانات والوسائل اللازمة للعمل من أجل حماية أرواحهم، لأنهم أول من يتدخل عند وقوع أي خطر أو حدوث أي كارثة، لكنهم في مقابل ذلك يعتبرون بأن مهنتهم النبيلة يتلقون أجرها اليومي بالدعاء بالخير لهم من طرف كل الناس.
لا يحتج أعوان الحماية المدنية كما يفعل بقية موظفي القطاعات، ليس بسبب أنهم ينتمون لجهاز شبه نظامي، بل لأن صفارة المهمات في الوحدات لا تتوقف مع مرور ساعات اليوم، وليس لهم غير الإنقاذ والإسعاف والتدخل. ومع ذلك فقد تمكنوا من نيل الزيادة في الأجر وتحديد مسارهم المهني، ويتطلعون اليوم لتحسين ظروف العمل نحو الأحسن.
يفوق عدد أعوان الحماية المدنية 45 ألفا من بينهم 300 طبيب، كما تصل التغطية العملياتية، من خلال الوحدات، إلى نسبة 70 بالمائة عبر الوطن، بعد أن كانت لا تتعدى 30 بالمائة منذ خمس سنوات، ويتم العمل وفق المخطط الولائي لتحليل وتغطية الأخطار.
يقول المتحدث باسم خلية الإعلام، الملازم نسيم برناوي، لـ الخبر ، بأنه لا يوجد تدخل في الحماية المدنية يشبه سابقه، ولكل تدخل أخطاره وظروفه الخاصة . ويتابع ما حدث في أحد الطرقات المزدوجة بالعاصمة في 27 جويلية الفارط، خير دليل على أن الموت يتربص بالأعوان يوميا، فمن كان يتصور بأن إخماد ألسنة النيران بعد الانفجار الذي وقع في حافلة لنقل المسافرين، سيودي بحياة عونين من الحماية المدنية، في حين تم إنقاذ كل الركاب .
ويعتبر نسيم برناوي بأن النيران والفيضانات وكل المخاطر تواجه عون الحماية المدنية، كما حدث أيضا في الشلف، حيث حاصرت ألسنة النيران عونا وأفقدته حياته، أو ما حصل أيضا مع عون في سيدي بلعباس أراد أن ينقذ حياة الغرقى في الفيضانات فجرفته سيول الوادي وأودت بحياته. ومع كل هذا، يعتبر أعوان الحماية المدنية بأن الخطر جزء من عملهم، ولا يمكن لأي تدخل أن يخلو من أي خطر كان، مهما كان حجمه وشكله. ولا تسمع يوما عونا يقول لك تعبت من العمل أو هرمنا ، لأن المساعدة والتدخل تسير في عروقه، على الرغم من الانتقادات التي توجه إليهم بسبب تأخرهم أحيانا في التدخل، لكثرة التدخلات أحيانا وقلة الإمكانات والازدحام في حركة السير في غالب الأحوال.
ويواجه هؤلاء، حسب الأمين العام للنقابة الوطنية لأعوان الحماية المدنية، رحوي إبراهيم، القلق والصدمات بتقنيات الحوار والنقاش بعد كل تدخل، كما تبقى ممارسة الرياضة أهم عامل مساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية والحس الجماعي في العمل قادر على التخفيف من كل الصدمات التي يتلقاها هؤلاء في الميدان، خصوصا الأعوان الجدد الذين يجدون أنفسهم أحيانا أمام جثث مقطعة في أول تدخلاتهم في الميدان.
الرائد عاشور فاروق
لا يمكن قبول عون بصره ضعيف والصرامة شعارنا
ينفي المتحدث باسم خلية الاتصال بالمديرية العامة للحماية المدنية، الرائد عاشور فاروق، أن يتم قبول أي عون بصره ضعيف أو يعاني من أي مرض يعيق عمل التدخل والإنقاذ. ويقول عاشور فاروق إنه لا يمكننا أن نشكك في أي شهادة طبية يقدمها المترشح عبر الوظيف العمومي، لكننا نجري له فيما بعد فحصا ثانيا، ما يمكّننا من التأكد إن كان المترشح قادرا على ممارسة العمل أم لا، وكثيرا ما تم التخلي عن عدد من المترشحين لنفس السبب . ويرى الرائد عاشور فاروق بأن عمله لا يقتصر على الاتصال، بل هو جاهز في أي لحظة للتدخل بارتداء لباسه الميداني، كما أن مهنتهم تشكل خطرا كبيرا لأنهم في مواجهة دائمة مع المواد الكيميائية والنيران والانفجارات وكلها تعد مخاطر مهنية قد تؤدي إلى حوادث مميتة. كما لا يمكن قبول عون حماية مدنية مصاب بمرض السكري أو أي مرض آخر يشكل عائقا على عمل الفريق في الميدان. ويعتبر بأن القانون الأساسي والنظام التعويضي، سمح لعون الحماية المدنية بتحسين دخله الشهري وتحديد مسار رتبته والمهام الموكلة إليه تحديدا دقيقا .
بورتريه
الدكتورة بعطوش خوخة
19 عاما من التضحية ليل نهار لإنقاذ الأرواح
التحقت بالحماية المدنية خلال سنوات الجمر، حيث وضعت حياتها في الخطر كل دقيقة، لكنها تفتخر بكونها طبيبة ساعدت الآلاف وتحدت الصعاب والمخاطر واستطاعت أن تكوّن المئات من الأعوان ليتحولوا إلى ممرضين، بسبب قلة الإمكانات والتعداد في سنوات ماضية.
في ملامحها ارتسمت صور سنوات وأحداث لا يمحوها الزمن، وحديثك إليها لا يجعلك تمل وكأنك تتصفح كتاب مذكرات، إنها الدكتور والمقدم بعطوش خوخة، التي ارتدت لأول مرة لباس الحماية المدنية في 1993، تحت وقع الانفجارات ودوي الرصاص، تحدت الإرهاب والخوف والصعاب وأجلت وأنقذت وأسعفت العشرات، بل المئات إن لم نقل الآلاف.
19 سنة من العمل في ظروف صعبة لم تمنعها يوما من ممارسة مهنتها الأساسية وهي تقديم الإسعافات، وهي من تقلدت عدة مناصب لتصل إلى منصب نائب مدير للإسعاف الطبي وحاليا مكلفة بالدراسات في المديرية العامة للحماية المدنية بالعاصمة. تقول الدكتورة بعطوش نجونا عدة مرات من الانفجارات والقنابل والرصاص، بفضل دعاء من كنا إلى جانبهم في كل شدة، نسعفهم وننقذ حياتهم، هذا كل ما جنيناه من الحماية المدنية التي علمتنا أن المهنة النبيلة هي أساس الحياة، ولا همّ لنا بالأجر، لأن أجرنا عند الله .
وتضيف السيدة بعطوش خوخة، وهي أم لطفلين: كانت الجزائر وقتها بحاجة إلى أبنائها وأنا لم أتردد يوما في ذلك بعد ستة أشهر من البطالة، بعد تخرجي من كلية الطب . وتتابع عند العمل أترك مشاعري جانبا وأتعامل مع الموقف بحزم . وترى الدكتورة بعطوش خوخة بأن حب المهنة ينسيك التعب والخوف ويجعلك لا تفكر إلا في الطريقة التي تتمكن فيها من إنقاذ حياة الآخر، كما حدث كثيرا زمن الإرهاب، حيث تعاملت مع مواقف لا يمكن تصورها، وكم من امرأة ساعدتها على الولادة في السلالم وعلى قارعة الطريق، بسبب الحالات المستعجلة .
ولا تعارض المتحدثة أن يسلك ابناها مسارها في الحماية المدنية، لأن ذلك مرتبط بقناعتهما وخياراتهما، لكنها تختم كلامها قائلة عندما نرى الرضا في أعين غيرنا نرتاح ونطمئن .
شاهد من أهلها
الأمين العام للنقابة الوطنية لأعوان الحماية المدنية رحوي إبراهيم
كنا نعمل بلا حقوق وتحسنت الأوضاع في انتظار المزيد
يكشف الأمين العام للنقابة الوطنية لأعوان الحماية المدنية التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، رحوي إبراهيم، بأن القانون الأساسي ونظام التعويضات والمنح، حسّن من الوضعية الاجتماعية لعون الحماية المدنية، لكن ذلك لا يعني أننا لن نطالب بالمزيد كلما سمحت الفرصة بذلك .
هل تحسنت وضعية أعوان الحماية المدنية فعلا؟
- بعد صدور المرسوم التنفيذي والنظام التعويضي لاحظنا بأن هناك رضا تاما من طرف القاعدة، حيث كانت الزيادات حسب تطلعاتهم. ومع هذا، يبقى برنامجنا كنقابة وطنية، الإلحاح مع المدير العام لتسطير برنامج في إطار الحوار الاجتماعي وفتح الأبواب للحديث عن باقي الانشغالات.
وما هي باقي الانشغالات؟
- نحن قطاع يمثل فيه الشباب نسبة تقارب الـ80 بالمائة، وأغلب الأعوان يعانون من أزمة سكن، ولهذا يطالبون بضرورة التدخل على المستوى المحلي لتمكينهم من الحصول على مسكن.
كم أصبح أدنى وأعلى أجر؟
- في السابق كان أجر العون في بداية عمله لا يتعدى 18 ألف دينار، لكنه اليوم يقارب الـ32000 دينار، كما يصل أجر آخرين في رتبة أعلى إلى الخمسين ألف دينار. ومع هذا فهذا لا يمنعنا من المطالبة بتحسين الأجر كلما سمحت الفرصة بذلك، خصوصا أن الخطر أكبر من أي أجر.
وكيف تدافعون عن العون بسبب قلة الإمكانات لحمايته من الأخطار؟
- قلة الإمكانات لم تعد مطروحة وظروف العمل والإقامة في الوحدات تحسنت كثيرا، ونحن نصرّ دائما على التكوين المتواصل من خلال برنامج مسطر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/01/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: زبير فاضل
المصدر : www.elkhabar.com