الجزائر

أطباق من عمق تاريخ المدية في طريق الاندثارالخليع، العصبان، دشيشة المرمز.. فسيفساء المطبخ اللمداني



وقعت جمعية الراشدية بشرشال اسمها بالذهب في الساحة الأندلسية الجزائرية ليمتد حضورها إلى التكوين حفاظا على هذا الإرث الموسيقي الوطني، إضافة إلى مجال البحث من خلال استغلال ما يكتنزه شيوخ مدينة شرشال...
''المساء'' التقت السيد لعريرونة محمد رئيس الجمعية وكان هذا الحوار...
- إلى ماذا يعود سبب حضوركم في كل المناسبات؟
* الحضور أمر مهم لكل فنان أو جمعية، ليثبت أنه موجود وليكون دوما مع الجديد، فالمشارك في المناسبات يبحث ويجتهد ليقدم الجديد، أما إذا غاب واستمر غيابه فسيركن إلى ما يختزنه ويكتفي بمهمة الاجترار. كما أن الحضور يقرب من الجمهور ويخلق عند الفنان التواضع، فجمعيتنا مثلا لا ترد دعوة حتى ولو كانت من طالب جامعي يناقش رسالة تخرج في الموسيقى الأندلسية لنرحل من شرشال عن طيب خاطر ونحضر معه التخرج بتقديم وصلات مثلا تترجم مضمون مذكرته، وهكذا في مختلف المناسبات الوطنية والمحلية والخاصة.
- الراشدية من الجمعيات العتيقة في الجزائر، كيف كانت ظروف تأسيسها؟
* تأسست الراشدية سنة 1932 بمدينة شرشال، المعروفة بأنها من حواضر الجزائر ومن قلاعها الثقافية والحضارية، في البداية كانت الراشدية عبارة عن مدرسة قرآنية لتحفيظ كتاب الله العظيم وكانت تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين...
تحولت الراشدية سنة 1976 إلى جمعية طربية أندلسية، علما أن هذه الفترة وما قبلها كان فيها النشاط الموسيقي الأندلسي شبه غائب، خاصة من حيث حضور الجمعيات، عكس الزمن الحاضر الذي تشهد فيه بلادنا نهضة موسيقية أندلسية رائدة وأصبح الأندلسي فنا جماهيريا.
- هل تنشط الراشدية في مجال التكوين الموسيقي؟
* بالطبع، لنا تجربة لا بأس بها في هذا المجال وأصبحنا مدرسة للتكوين الموسيقي تحوي 5 أقسام بها حوالي 160 طالب من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، يؤطر هؤلاء أساتذة موسيقى مختصون وشيوخ الأندلسي وفق برنامج علمي مدروس ومحضر منذ بداية الموسم الدراسي، وقد اكتشفنا الكثير من المواهب والقدرات التي تبشر بمستقبل مشرف لفن الأندلسي ببلادنا.
- ماذا عن حضوركم القوي والمتواصل في المهرجانات المقامة عبر التراب الوطني؟
* نحرص كل الحرص على المشاركة في هذه المهرجانات التي أصبحت تسير من يوم إلى آخر نحو الاحترافية والعلمية، فحضورنا لا يعني فقط تقديم وصلات غنائية أندلسية وكفى أو اللهث فقط وراء جائزة ما إن وجدت، ولكن الأهم في هذه المهرجانات هو أنها تتيح للجمعيات فرصة البحث والتنقيب في التراث الأندلسي، ناهيك عن اللقاءات المقامة التي ينشطها أهم الباحثين والأكاديميين والشيوخ.
' لكل مهرجان خاصيته، فهناك من يعتني بطابع ''الحوزي'' أو ''الكلاسيكي'' أو ''العروبي'' أو ''المصنع'' أو غيرها من الطبوع، وقبل المشاركة علينا البحث والإلمام بكل تخصص سنشارك من خلاله.
- ماهي مراجعكم في هذه البحوث؟
* مرجعنا الأول والأخير هو شيوخ مدينة شرشال، منهم اسماعيل حاكم مؤسس الراشدية وقبله الشيخ المغراوي والشيخ سالمي رحمهما الله، والآن الشيخ محمد العنابي الرئيس الشرفي للراشدية وعميد الأندلسي في شرشال الذي نتوجه إليه لتحضير برامج مشاركاتنا، سواء من حيث الموسيقى أو الأداء أو النصوص والأبحاث التاريخية الخاصة بكل طابع، في الحقيقة نعتبره تراثا متحركا لا يقبل إلا أن يستغل، خاصة وأنه لا يبخل علينا ويحثنا كشباب على الحفاظ على هذا التراث كما ورثناه من التاريخ، وأحيانا نستمتع بأدائه، علما أن صوته الحنون يشبه صوت الشيخ المحفوظ، خاصة في طبع ''العروبي''.
- كيف تجدون واقع الموسيقى الأندلسية اليم بمدينة شرشال؟
* الواقع الأندلسي عندنا على ما يرام وتشهد الساحة الشرشالية في السنوات الأخيرة نهضة غير مسبوقة ما يجعلها من قلاع هذا الفن في الجزائر، فهي أمينة على ''الصنعة'' باعتبارها إرث الأجداد، ويكفي أن بشرشال اليوم 3 جمعيات أندلسية كلها لها الحضور القوي والمشرف كجمعية ''القيصرية'' مثلا.

تشتهر الأسر ''اللمدانية'' بعادات وتقاليد ورثتها منذ القدم، جعلتها تتميز عن الولايات الأخرى؛ فهي تمتاز بالتنوع والثراء والخصوصية مشكلة بذلك فسيفساء من الأطباق المحلية لا تقاوم من حيث الشهية، معبرة تارة عن أصالة سكان المدية وتارة أخرى عن معاصرة المجتمع الجزائري، ورغم التشابه الحاصل في التنظيم الاجتماعي لسكان ولاية المدية، إلا أن هناك تباينا وتمايزا في تحضير الطبق ذاته من منطقة لأخرى، على غرار بني سليمان، البرواقية، قصر البخاري وتابلاط ولعل أشهر الأطباق التي تختص وتتزين بها المائدة اللمدانية، الخليع، العصبان، الطبيخة، دشيشة المرمز، هذه الأخيرة التي تتزين بها الموائد في رمضان.
يتميز إقليم الولاية بالتدرج والتباين في المناخ والنبات، كما أنها تعد منطقة فلاحية بالدرجة الأولى، حيث تكثر فيها حقول القمح والشعير وأشجار التفاح والكروم، إضافة إلى تربية المواشي من أغنام وأبقار ودواجن، معروفة ببرودة شتائها الذي كان له تأثير كبير على تنوع مأكولاتها الشعبية؛ فالعائلة اللمدانية تدخر في فصل الصيف كميات هامة من مشتقات الحبوب كالكسكس والمحمصة والدشيشة والبركوكس، لتقاوم بها برد الشتاء إلى جانب الخليع أو اللحم المجفف بالملح، أما عن الخضروات والفواكه فسكان المدية يعتمدون على طريقة التصبير، كتصبير الطماطم والفلفل والزيتون ويجعلون من الفواكه المتنوعة على غرار التفاح، الإجاص، التين، المشمش والعنب مربى يغنيهم عن المربى المعلب الذي يباع في الأسواق.
ومن أشهر الأطباق التي تختص وتتزين بها المائدة اللمدانية نجد طبق شطيطحة بالمخ والذي يحضر بمخ الخروف والطماطم والثوم وحبات من البيض، إضافة إلى طبق دشيشة المرمز والتي تقدم كشربة في رمضان لا يمكن للعائلة اللمدانية الاستغناء عنها طيلة 30 يوما، كما أن دشيشة المرمز تحضر بطريقة ثانية جافة بالسكر والزبدة بعد طبخها مع قليل من الماء، تستخرج من حبوب الشعير، كما تشتهر المنطقة بطبق ''التبيخة'' وهي أكلة مفضلة لدى الكثير من العائلات تحضر بالفول والأرز على شكل حساء يكثر استهلاكها خلال فصل الربيع، إلى جانب هاته الأطباق هناك طبق مشهور وهو العصبان الذي يستهلك في الشتاء بكثرة وبالأخص في المناسبات كحفلات الزفاف وعيد الأضحى، والعصبان عبارة عن قطع صغيرة من الكبد والرئة وقليل من التوابل والثوم والطماطم تجمع في قطع من معدة الخروف وتخاط وتطهى وتقدم ساخنة على شكل كريات تشابه حبة البرتقال، أما في بعض المناطق الأخرى على غرار مدينة تابلاط، بني سليمان؛ فالعصبان يحضر بطريقة مغايرة، حتى أن اسمه يتغير من العصبان إلى الدوارة أو البكبوكة بنفس المكونات ويعتبر طبقا رئيسيا دون منازع.
ومن الأطباق التي تشتهر بها المدية طبق ''البلبول'' الذي يقال إن أصوله تركية وهو عبارة عن خبز يابس يهرس ويفتل على شاكلة الكسكس مع الزعتر ويمزج بالسكر عند التقديم وزيادة على ما ذكر من أطباق؛ فهناك طبق العصيدة الذي ينصح بتقديمه للأطفال الصغار، خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى، فهو صحي وهو عبارة عن سميد يتم طبخه في الماء وعندما يجف تضاف له الزبدة والسكر ويقدم ساخنا ويكثر استهلاكه في فصل الشتاء مع تساقط الثلج.
عند الحديث عن الأطباق التي تشتهر بها المدية، لابد من ذكر الطبق الذي لا يمكن أن تتخلى عنه العائلات اللمادنية يوم الجمعة، ألا وهو الكسكس بمختلف أنواعه وطرق تحضيره؛ فهناك كسكس بالمرقة البيضاء والحمراء، والمسفوف بالجلبانة وكذا الكسكس بالفول الذي يستهلك بكثرة في فصل الربيع وهناك الكسكس الأسود المصنوع من دقيق الشعير الذي ينصح بتناوله لمرضى المعدة والقولون بتأكيد من الأطباء، طبق الروينة التي تصنع خالصة من القمح الصلب الذي يطحن ويغربل ويضاف له السكر والماء وتأكل بطريقتين إما ''مسفوفة'' أو على شكل خليط بالماء أو زيت الزيتون وتحضر في ''الوعدات'' لدفع السوء حسب المعتقدات، كما تمنح للأطفال من حفظة القرأن عند ختم حزب أو أحزاب من كتاب اللّه.
تضاف إلى هذه الأطباق مجموعة من الحلويات التي تتفنن في صنعها أنامل المرأة اللمدنية وهي، المقروط، الغريبية، الصامصة، التشاراك والبقلاوة ولعل هذه الأخيرة تعد من أشهر حلويات الأتراك خاصة وأنهم اتخذوا من عاصمة الولاية قاعدة خلفية لحماية دار السلطان بالعاصمة.
على غرار مناطق الوطن؛ فالمدية تشترك معهم في عدة أطباق كالبغرير، خبز المطلوع، المسمن أو المعارك، الخفاف أو السفنج، إلا أن هذه الأطباق ونتيجة تغير الذهنيات ودخول مأكولات عصرية إلى المجتمع اللمداني، بدأت تزول تدريجيا خاصة بعد وفاة كبيرات السن، إلى جانب عزوف نساء اليوم عن تحضير مثل هاته الأطباق نظرا للوقت الذي تستغرقه في التحضير وكذا عدم معرفة البعض الآخر لطرق تحضيرها.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)