أحيطت مدينة تلمسان في العهد الزياني بعدة أسوار متينة شاهقة صلبة، مبنية بناء جيدا، ومحصنة تحصينا قويا بلغ عددها في بعض جهاتها نحو سبع أسوار 1، متباعدة عن بعضها البعض بمسافات قصيرة في حدودها الخارجية 2. ولعل ارتفاع هذه الأسوار وعظمتها هي التي جعلت العبدري يصف تلمسان بقوله أن:" أسوارها أوثق الأسوار وأصحها" 3، وكانت هذه الأسوار مبنية في بعض الجهات بالآجر وفي جهات أخرى يرتكز السور على قاعدة من الحجر الصلب، وفي بعض الجهات الأخرى يبنى بالرمل والطين والكلس المدكوك 4.
وقد أمر يغمراسن ببناء عدة أسوار لها سنة 668هـ/1268م، وتحصينها من ناحية "باب كشوط" في الجهة الجنوبية الغربية؛ وبالتالي بنيت في هذه الناحية وحدها نحو ستة أسوار كاملة ، مرتفعة ومزدوجة تعلوها أبراج وتدعمها حصون مربعة الشكل. وكانت بعض هذه الأسوار داخل بعض من جهة القصبة ، وقد يدل ذلك على رغبة مؤسسيها في اتخاذها قلعة منيعة صعبة المنال وحصنا قويا يسهل الدفاع عنه، وتهيئتها تهيئة كاملة للقيام بوظيفتها الإدارية والسياسية والعسكرية لأن الناحية الجنوبية مكشوفة لا تحميها الطبيعة، بل تتحكم في مسالكها المرتفعات 5. ويذكر مارسيه Marçais " أن عدد أسوار مدينة تلمسان بلغ سبعة"، وكانت الأسوار متوجة كأسنان المنجل 6. وعلى الرغم من ذلك فإن سكانها لا ينامون، فقد حرص الزيانيون على بناء الأسوار الدفاعية واهتموا بمراقبة المناطق المحيطة بالمدينة، فبنوا أيضا عدة أبراج قوية وعالية نذكر منها الأبراج التالية:
برج القشاقش: بني هذا البرج على ضفة وادي متشكانة، وأنشئت له طريق مغطاة بالأقواس تربط البرج بالمدينة 7.
برج الطاحونة: أنشئ هذا البرج في جنوب المدينة في موقع جبلي يؤدي إلى هضبة لالة ستي 8، لمراقبة الجهة الجنوبية وحمايتها، وفي ذات الوقت لحماية الطاحونة التي تزود أهل تلمسان بالدقيق.
وبني برج آخر في سفح جبل شقراطين 9.
برج إمامة: وهو عبارة عن قصر كبير، بني على شكل قلعة مرتفعة تقع في الشمال الغربي من مدينة تلمسان 10. عرف سكان هذا البرج محنا جمة، لا سيما خلال فترات الحرب والغزو الأجنبي على المدينة، لأن موقعه يجعل منه الخط الدفاعي الأمامي الأساسي لحماية تلمسان. فقد حاصرها السلطان أبو يعقوب عبد الحق المريني (685-706هـ/1286-1306م) مدة أربعين يوما، وعندما لم يقو على اقتحام البرج، عاد إلى بلاده يجر وراءه ذيل الخيبة على عدم دخولها عنوة، وكان ذلك سنة (689/1291م) 11.
قلعة ابن الجاهل: وهي حصن هام أنشأه الزيانيون في الجهة الجنوبية المكشوفة للدفاع عن المدنية. لعبت هذه القلعة أدوارا دفاعية محكمة، بحيث كانت حاميتها تتصدى للهجمات التي تأتي من الشرق والجنوب 12.
وبالقرب من باب العقبة بني برجان كبيران مربعان بالآجر والحجارة المأخوذة من الآثار الرومانية 13.
فقد كانت إذن هذه الأبراج والقلاع والأسوار، التي تحيط بمدينة تلمسان من جميع الجهات المختلفة، عاملا مهما في تسهيل مهمة المراقبة، والدفاع عن السكان، وربما هذا هو السر الذي جعل أهل تلمسان يصمدون في المقاومة، ويتصدون للحصار لفترة طويلة زادت أحيانا عن ثماني سنوات، ويفشلون أغلب الهجمات المتكررة على مدينتهم من الشرق والغرب.
1 : P. RICARD : Pour comprendre l’art musulman dans l’Afrique du nord
et en Espagne, Paris : Hachette, 1935, p.225.
2 : Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL, 1980,
p.40.
3 : أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري، ، الرحلة المغربية، تحقيق: محمد الفاسي: الرباط، 1968 ، ص11.
4 : وقد بني أيضا في الجهة الشرقية من تلمسان نحو ثلاثة أسوار، وكذلك في الجهة الشمالية. أما في الناحية الغربية، فقد شيد الزيانيون أربعة أسوار لحماية المدينة. أنظر: Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL, 1980,
pp.41-44.
5 : شهاب الدين ابن فضل الله العمري، كتاب مسالك الأبصار في عجائب الأمصار، مخطوط، تونس: دار الكتب الوطنية، رقم 6778، القسم 7، ورقة 206.
6 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950, p. 36.
7 : Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL, 1980,
p.43.
8 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950,p.54.
9 : Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL,
1980, p.43.
10 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950, p. 54.
11 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950,p. 54.
12 : أبو عبيد الله البكري ، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، نشر وتحقيق: البارون دي سلان، الجزائر، 1911، ص 77. العنوان بالفرنسية: Description de l’Afrique septentrionale.
13 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950, p.17.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : http://www.almasalik.com