الجزائر

أستاذ حشرات ممنوع من العرض



أستاذ حشرات ممنوع من العرض
طالعت الخبر في الصحف والمواقع الإخبارية، أمس. نقابة علماء مصر تطالب بوقف عرض مسلسل عادل إمام الذي بدأ عرضه ضمن مسلسلات رمضان، ”لأن قصته تشوه صورة عضو هيئة التدريس وتظهره بخلاف الواقع”. ما هو الواقع؟ ومن يمتلك حق الوصاية عليه؟ وأين تنتهي حدوده وتبدأ حدود الخيال الفني؟نص الخبر على أن النقابة بعثت بخطاب رسمي إلى إدارة قناة ”إم بي سي” تطلب فيه وقف مسلسل ”أستاذ ورئيس قسم” لأن الحلقة الثانية منه أظهرت رئيس قسم الحشرات بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، في أحد الملاهي الليلية بصحبة رفاقه وتلميذ من حاملي الدكتوراه. وبحسب الخطاب، فإن الحلقة أظهرت الأستاذ (يؤدي دوره عادل إمام) شخصًا ”غير ملتزم ويسعى وراء الراقصات ويشرب الخمور بل ويحرض تلاميذه على ذلك”. ألا تعرف النقابة أن المطالبة بمنع أي عمل فني أو أدبي هي أكبر دعاية له؟ والذي لم ينتبه لهذا المسلسل، في زحمة المسلسلات، سيبحث عنه ويترقبه ويجلس لمتابعة حلقاته ليعرف ما هو ذلك ”المحظور” الخطير الذي يخرج على الآداب العامة.هي ليست سابقة فريدة في بلادنا العربية. فلطالما عانى مؤلفو السهرات والمسلسلات والأفلام من العقلية ”النقابية” في التعامل مع نصوصهم. ففي بلدي، مثلاً، لم يكن يُسمح بظهور شخصية معلم أو ضابط أو طبيب أو حتى شرطي مرور مستهترا أو سكيرا أو يتلقى الرشى. من الذي كان يرتشي ويحتسيها إذن؟ المتقاعدون؟ هل يعقل أن من بين عشرات الآلاف من أساتذة الجامعات في مصر، ليس هناك ”سافل” واحد يرتاد الملاهي؟ لقد أشبعت الأفلام والمسلسلات شخصية الصحافي تشويهًا وانتقادًا وتجريحًا واتهامات بكل أشكال الارتزاق والعمالة، لكن لا أظن أن أحدًا من الزملاء المحترمين أخذها على نفسه.ليت الأمر وقف عند رئيس قسم الحشرات، إذ لم يسلم الممثل من التشهير، ولا كاتب المسلسل. وظهرت تعليقات ذات شحنة سياسية تدين وتندد وتفضح وتهدد وتدعو: ”قاطعوا المسلسل”. كيف تنجح المقاطعة والفواصل الإعلانية قد بيعت مسبقًا؟ هل يدخلون على الناس في بيوتهم ويراقبون من قاطع وأشاح بوجهه ومن تفرج؟ إن عادل إمام يعرف هذا النوع من الزوابع منذ أن قام بدور حسن سبانخ المحامي في فيلم ”الأفوكاتو”، قبل ثلاثين سنة. واعترضت نقابة المحامين، يومها، لأن الاسم المختار للشخصية ينتقص من هيبة رجال العدالة. هل يختل ميزان العدالة إذا كان لقب المحامي ”سبانخ” وليس ”عصفور”، مثلاً؟وإليكم هذه الحكاية: ذهب فريق تلفزيوني لإعداد فيلم وثائقي عن دائرة رسمية لها علاقة بقوت الشعب، ولنقل إنها دائرة تفقيس البيض. وقام المخرج وفريقه بتصوير عملية التفقيس من ألفها إلى يائها. كما سجل حديث المدير ورؤساء الأقسام المسؤولين عن تلك العملية الاستراتيجية والحيوية. ولما انتهى الفيلم، دعا المخرج مدير الدائرة لمشاهدة النسخة الأولية منه. لكن علامات الامتعاض بدت على المدير بعد الدقيقة الأولى. وما أدراكم ما امتعاض المديرين؟ لقد اعترض على ظهور صورة المسؤول عن قسم تلميع البيض قبل المسؤول عن ترقيد الدجاج. وهذا لا يجوز لأن الثاني أعظم أهمية من الأول. وابتسم المخرج وتقبل الملاحظة ووعد بإعادة المونتاج لتلافي الخطأ البروتوكولي. لكن المدير عاد وامتعض بعد دقيقتين وطالب بإضاءة النور ووقف العرض والتفت ليسأل المخرج: ”لماذا ركزت الكاميرا على هذا الكتكوت بالذات”. حسنًا يا سيدي، ولا يهمك، سنحذف اللقطة كلها. وهكذا مضى الوقت ما بين امتعاض واعتذار ووعود بتنفيذ المطلوب. ورغم ذلك، منع الفيلم من العرض لأن مدير دائرة تفقيس الكتاكيت انتقل من موضع الرضا إلى صفوف المغضوب عليهم.إنعام كجه جي – عن الشرق الأوسط




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)