مفاجأة! يبدو أن هناك ما ينبغي قوله مع تقدم شقيق الرئيس الفاشل لخوض غمار الانتخابات الرئاسية نحو البيت الأبيض. وبفضل السيد جيب بوش، فربما تتاح لنا أخيرا حرية مناقشة الغزو الأميركي للعراق، وهي القضية التي كان ينبغي طرحها للنقاش قبل عقد مضى من الزمان.لكن العديد من الشخصيات النافذة - وليس السيد بوش فحسب - تودّ لو أننا أغلقنا باب المناقشة حول تلك القضية من الأساس. إلا أن هناك شعورا واضحا يسري بين النخبة السياسية والإعلامية لإبراز بعض الحقائق المتعلقة بتلك القضية. أجل، إننا على يقين الآن بأن قرار غزو العراق كان خطأ فادحا، ولقد حان الوقت بكل تأكيد ليعترف الجميع بذلك. حسنا، فلنتمهل رويدا.. فالحديث في ذلك هو حديث خاطئ، ويعلم كل من انخرط في ذلك النقاش أنه حديث خاطئ. لم تكن حرب العراق خطأ بريئا، بل كانت مشروعا يجري تنفيذه بناء على تقارير استخبارية تبين في ما بعد كذبها. غزت الولايات المتحدة العراق فقط، لأن إدارة الرئيس بوش الابن كانت تريد تلك الحرب. وما كانت التبريرات التي طرحت على الشعب الأميركي سوى بضع ذرائع واهية، بل كانت ذرائع مزورة إذا ما أردنا التحقق منها. فلقد كذبوا علينا بالأساس لخوض تلك الحرب.كان التدليس الذي رافق الدعاية إلى شن الحرب واضحا وجليا في ذلك الوقت عن أي وقت آخر: كانت الحجج شديدة التحول للهدف الثابت وقتها.. عبارة عن منحة مريعة من منح تلك الإدارة. وكذلك كان اللعب بالكلمات - من الحديث عن أسلحة الدمار الشامل التي قرنت الأسلحة الكيماوية (والتي اعتقد الكثير من الناس وقتها بامتلاك صدام حسين لها) بالأسلحة النووية، إلى التعريض المستمر بضلوع العراق، بصورة ما، في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الرهيبة.عند هذه المرحلة كانت لدينا أدلة هائلة، تؤكد كل ما كان معارضو الحرب يطرحونه. فإننا نعلم الآن، على سبيل المثال، أنه في هجمات الحادي عشر من سبتمبر في حد ذاتها - وقبل انقشاع الغبار ووضوح الأمور - كان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع آنذاك، يخطط بالفعل لحرب ضد نظام لا ناقة له ولا جمل في التخطيط لتلك الهجمات الإرهابية. حيث جاءت بعض الملاحظات التي سجلها أحد مساعدي السيد رامسفيلد تقول ”فلننظر في جدية ضرب نظام صدام حسين.. اضربوا بكل قوة، امحوا كل شيء، كل ما له صلة وما ليست له صلة”.تلك كانت الحرب التي أرادها البيت الأبيض باختصار، وكل الأخطاء المفترضة التي، وكما تصوغها كلمات جيب بوش ذاته ”كانت من أفعال” إحدى الشخصيات غير المذكورة، والتي تدفقت فعليا من تلك الرغبة الكامنة في شن الحرب. فهل استنتجت وكالات الاستخبارات على نحو خاطئ أن العراق كانت بحوزته الأسلحة الكيماوية، ويمتلك برنامجا للأسلحة النووية؟ جاءت تلك الاستنتاجات إثر الضغوط الرهيبة التي خضعوا لها لتبرير الحرب؟ هل قللت التقديرات التي أجريت قبل الحرب وبشكل كبير من صعوبة وتكلفة الاحتلال؟ وذلك لأن الحزب المؤيد لشن الحرب لم تكن لديه آذان تستمع إلى أي معلومات تثير الشكوك حول الاندفاع نحو الغزو. بالفعل، لقد طُرد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة من منصبه لمجرد طرحه بعض التساؤلات، حول مزاعم أن مرحلة الاحتلال سوف تكون سهلة ورخيصة.لماذا أرادوا تلك الحرب؟ إنه سؤال عصي على الإجابة بحق. اعتقد بعض دعاة الحرب أن إلحاق الصدمة والرعب بالعراق من شأنه تعزيز القوة والنفوذ الأميركي حول العالم. ورأى بعضهم العراق كنوع من أنواع المشروعات التجريبية، من حيث الاستعداد لسلسلة من التغييرات في الأنظمة الحاكمة بالشرق الأوسط. بصرف النظر عن دقة الدوافع، فإن نتائجها لم تكن إلا فصلا أسود من فصول التاريخ الأميركي. ومرة أخرى أقول: لقد كذبوا علينا بالأساس لخوض تلك الحرب.والآن، يمكنك إدراك السبب وراء إحجام العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية عن الخوض في مناقشة تلك القضية. وبعض منهم، كما أعتقد، ربما تعرضوا للخداع: ربما سقطوا بالفعل ضحية للأكاذيب الجلية التي لا علاقة لها بتقديراتهم الشخصية للأمور. وبالتأكيد كان هناك مناخ عام من الخوف يسري بين السياسيين والمفكرين في ما بين عامي 2002 و2003، حيث كان مجرد انتقاد الاندفاع وراء خوض الحرب يساوي الانتحار المهني التام.وعلى قمة تلك الدوافع الشخصية العميقة كانت وسائل الإعلام تجابه أصعب أوقاتها من حيث التأقلم مع حالة خيانة الأمانة السياسية. كان المراسلون يترددون كثيرا في الحديث مع السياسيين حول أكاذيبهم، حتى لو تضمنت بعض المسائل الاعتيادية مثل أرقام الميزانية، خشية من الوقوع في فخ التحزب القاتل. غير أن الحقيقة لا تزال مهمة، وليس فقط لأن أولئك الذين يرفضون التعلم من دروس التاريخ محكوم عليهم بالمعنى العام بتكراره، حيث إن حملة الأكاذيب التي سحبتنا إلى المستنقع العراقي كانت من الحداثة بما فيه الكفاية، لكي يوضع أصحابها موضع المحاسبة والمسؤولية، ناهيكم عن تعثرات جيب بوش اللفظية. دعونا الآن نخرج بقصة حقيقية حول حرب العراق. أجل، فمن الناحية الوطنية البحتة كان غزو العراق خطأ من الأخطاء الفادحة. ولكن (مع الاعتذار للسياسي القديم تاليران) لقد كانت أكثر من مجرد خطأ، لقد كانت جريمة.بول كروغمان - خدمة نيويورك تايمز عن الشرق الأوسط
تاريخ الإضافة : 20/05/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com