شتمل مدينة تلمسان على عدة أحياء أو حومات 1، تقطنها طبقات اجتماعية مختلفة غنية ومتوسطة الحال وفقيرة، غير أنه في الغالب كانت الطبقة الشعبية تقطن المدينة القديمة (أقادير). بينما سكنت الطبقة الخاصة المتكونة من رجال العلم والفقه والإرادة والسياسة والحرب بمدينة تلمسان العليا (تاقرارت)، حيث مقر السلطان والأمراء وحاشيتهم، ومن بين الأحياء التي حفظ التاريخ أسماءها، نذكر ما يلي :
حومة المطمر 2:
تقع هذه الحومة في غرب المدينة، وتضم مخازن ومطامير عديدة، معدة لتخزين المؤن والسلع من قمح وشعير وملح ولحم مدخرة معروفة بالمسلي، أو القديد والخليع، والشحم المذوب، والبقول والسمن، وغيرها من المواد الغذائية التي تصلح للتخزين 3.
وكانت ظاهرة انتشار المطامير منتشرة بين سكان مدينة تلمسان، لتعرض مدينتهم للحصار من حين لآخر، فيضطر الناس إلى التخزين لاستعمالها عند الحاجة، في وقت المحن والقحط . فالظروف الطبيعية القاسية في فصل الشتاء وكثرة الغزاة، جعلت التلمسانيين وحكامهم يحرصون كل الحرص، على أخذ الاحتياطات الضرورية في هذا الجانب 4.
وقد عمل كل من السلطان عثمان بن يغمراسن، وأبي حمو الأول وأبي تاشفين الأول، على تعبئة المخازن وملئها بالمؤن المختلفة، تحسبا لأي طارئ، وهذا هو أحد الأسباب الذي جعل أهل تلمسان يصمدون أمام الحصار نحو تسع سنوات 5.
وكانت حومة المطمر، تحتوي على مساكن كثيرة، فقد قام السلطان أبو حمو الأول ببناء مدرسة لسكان هذا الحي، وشيد دارين بالقرب منها لابني الإمام المدرسين بها 6.
أما المناطق السكنية الأخرى، فتقع في الأحياء الصناعية والتجارية، مثل حي الفخارين في الركن الشمالي الغربي لتلمسان العليا، و حي القيصارية الذي يقع في شمال غرب المشور. وتتركز بعض الحومات في القصبة وحول الأبواب المختلفة نذكر منها:
حومة باب علي:
وتقع في الركن الشمالي الشرقي لتلمسان، وفي غربها حومة عبد الجبار، وفي شرقها تقع حومة باب زيري 7. وتقع الرحيبة ما بين باب زيري في الشمال، وباب الجياد في الجنوب، و حي باب إيلان 8، في غرب المشور ولا يبعد عنه كثيرا في اتجاه باب كشوط.
حومة اليهود:
تقع بوسط المدينة، حيث توجد أسواق الصاغة . وحسب مارمول، كانت حومة اليهود الأكثر كثافة بالسكان 9، حيث كانت تضم نحو خمسمائة دار لليهود كلهم تقريبا ينتمون إلى الطبقة الغنية 10.
حارة الرماة:
توجد حارة الرماة في آخر السكة الرابعة، التي تعرف بـسكة ابن حجاف، وكان يقطن هذه الحارة العلامة الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسي (تـ680 هـ)، جد ابن مرزوق لأمه. كما كانت للتنسي دارا أخرى بـ"دريبة" ابن الذيب ، في ظهر السجن الكائن بـسوق السراجين، وكان يجاوره في السكن الشيخ المؤرخ أبو العباس بن القطان التلمساني. ثم انتقلت هذه الدار إلى آل مرزوق وبني النجار، في عهد ابن مرزوق الخطيب 11. غير أننا لا نعرف لها مكانا اليوم.
والحقيقة أنه من الصعوبة بمكان أن نلم بجميع حومات المدينة وأحيائها وحاراتها ودروبها وأسواقها، ومختلف معالمها العمرانية في العهد الزياني، لأن الزمان قد أتى عليها ويد الإنسان لم تبق منها شيئا، والنصوص قد أهملتها اللهم إلا تلك البقايا والنتف التي لا تشفي غليل الباحث.
1 : الحومات: جمع حومة، وهي كلمة تطلق على الحي أو الحارة في المغرب العربي.
2 : Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL, 1980, p42.
3 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 15.
4 : يحي بن خلدون، بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، تحقيق: ألفرد بال،الجزائر، 1911-1913، ج1، ص210.
5 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 15.
6 : عبد الرحمن ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، بيروت، 1971، ج 7، ص ص206-207.
7 : محمد بن عمرو الطمار، تلمسان عبر العصور، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984، ص. 324
8 : لا زال سكان تلمسان يعرفون باب إيلان ويطلقون هذا الاسم على حي من أحياء المدينة، والباب يقع غرب المسجد الجامع في اتجاه باب كشوط.. أنظر: William et Georges MARCAIS : Les monuments arabes de Tlemcen, Paris :Librairie des écoles françaises, 1903, p.266.
9 : مارمول كربخال، إفريقية، ترجمة: محمد حجي وآخرون، الرباط: دار نشر المعرفة، 1988-1989، ج.2، ص 298.
10 : الحسن الوزان، وصف إفريقية، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، بيروت: دار الغرب
الإسلامي، 1983، ط 2، ج 1، ص20.
11 : محمد ابن مرزوق الخطيب، المجموع، مخطوط، الرباط: الخزانة العامة، ميكروفيلم رقم 20 ، ورقة 39.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 07/09/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : http://www.almasalik.com