الجزائر

أجانب يعيدون ترتيب شمال إفريقيا في غياب أكبر بلد بالمنطقة دبلوماسية الجزائر تلعب في الوقت بدل الضائع



تختلف المواقف حيال اعتراف الجزائر بالسلطة الجديدة في ليبيا، بين من يرى أنه يعكس الحياد الذي التزمته حيال فرقاء الأزمة، ومن يرى بأنه تصحيح لأخطاء ارتكبتها الدبلوماسية الجزائرية. ولكن، ما لا يختلف عليه أحد، أن الجزائر ما كان لها أن تقف ضد الحراك الشعبي الذي قام في ليبيا بهدف تغيير النظام، عندما تحفظت على المعارضة المسلحة بذريعة أنها تحالفت مع قوى أجنبية للإطاحة بالقذافي. وفي كل الأحوال، فإن انعدام أي دور للجزائر في أزمة ليبيا وعجزها عن صد هجومات ''الانتقالي'' المركَزة، ترك المجال واسعا للاعبين أجانب عن المنطقة ليحدّدوا معالم مستقبل المنطقة، كما يريدون هم وليس كما يرغب أكبر بلد في شمال إفريقيا. لم تعترف ليلة سقوط طرابلس ولم تبق على مواقفها للآخر
عناد أم السبب دور فرنسا المشبوه ؟



 كان واضحا أن الخيارات المتاحة أمام الجزائر لم تكن كثيرة بخصوص الاعتراف من عدمه بالمجلس الوطني الانتقالي، رغم كل ما تعيبه على السلطة الجديدة في ليبيا، قياسا لعامل الحدود المشتركة . لكن التماطل الجزائري في الاعتراف ثم النطق به في وسط الطريق لا يجد له تفسيرا: هل كان مجرد عناد ، أم بسبب تحالف المعارضة مع فرنسا في بداية الصراع؟
ولا تبدو الصورة واضحة بخصوص الموقف الجزائري، كما كان حاله منذ تفجر أزمة ليبيا قبل ثمانية أشهر، على الأقل بعدما تجاوزت الجزائر آخر شروطها لقاء الاعتراف بالمجلس، لما ربطت ذلك بتشكيل حكومة تمثيلية لجميع طوائف الشعب الليبي . كل هذا جعل الاعتراف الجزائري لا يلقى وقعه لدى الليبيين، بحكم سوء اختيار التوقيت كما صنفته وسائل إعلام ضمن أخبار المنوعات . وقد بدا الموقف وكأنه تحصيل حاصل، بعد إقرار أغلب التكتلات الدولية بما فيها الاتحاد الإفريقي، فخرج باهتا ومتأخرا ، وعاندت الجزائر فيه حتى في النطق بكلمة اعتراف ، واستعملت مستعدة للتعاون الوثيق .
ألم يكن الأحرى بالحكومة العمل بأحد الخيارين؟ إما أن تعترف بالمجلس فور سقوط طرابلس كما فعلت مصر وتونس، أو عدم الاعتراف أصلا إلى غاية تنظيم انتخابات في ليبيا تفرز قيادة جديدة. فلا الجزائر سارعت للعمل بالخيار الأول، ولا هي تبنت الخيار الثاني إلى النهاية، فاعترفت خارج السرب في منتصف الطريق. فإن كان دافع الاعتراف هو تدهور الوضع على الحدود، فهذا ليس مبررا كافيا لأنها كانت تدرك حاجتها لمساعدة القيادة الجديدة، بغض النظر عن طبيعة ما تكنه لها منذ اليوم الأول لفرار القذافي. أما إن كانت حسابات الجزائر هي جعل الموقف الجزائري يبدو وكأنه في غنى عن الضغوط الخارجية لكي يصدر متفردا، فهذا أيضا لم يتحقق بحكم التعاطي المحدود لليبيين معه، وحتى الإعلام الغربي ودوائر النفوذ في أمريكا وأوروبا.
تقول بعض المصادر الحكومية إن عدم اعتراف الجزائر بالمجلس الانتقالي لم يكن بسبب تحفظات عليه، كما أن ذلك لم يكن يعني بالضرورة دعم معمر القذافي، ولا يحتمل ذلك غير وجود معطى ثالث يقع خارج اللعبة الليبية الداخلية وطرفاها الإثنين القذافي والثوار ، يتعلق بدور فرنسا المشبوه في الجارة الشرقية، وربما هذا العامل كان حاسما في فرض خيارات السلطة الجزائرية، قياسا لحسابات جزائرية فرنسية محضة لا علاقة للملف الليبي بها، لا من بعيد ولا من قريب.  


السلطة أساءت التقدير وترفض الاعتراف بذلك
البرلمانيون لا يملكون الجرأة لمناقشة الوضع في ليبيا

 تعرض الموقف الجزائري من الحرب على ليبيا لنقد شديد في الداخل والخارج، ووجد كثـيرون أن سمعة البلاد أصبحت في الحضيض، بما في ذلك قوى حزبية شريكة في الحكومة كانت قبل سنة ترفع لواء المبايعة للعقيد في خيمته بطرابلس، وشاركت في مسابقة الإساءة للبلاد.
وتعززت الانتقادات في ظل عجز النظام السياسي الجزائري على التفاعل مع التطورات الميدانية المتلاحقة، بينما يحاصره عناصر المجلس الانتقالي الليبي بحملة إعلامية ودبلوماسية مكثفة، و أدلة على تورط رسمي في دعم نظام العقيد معمر القذافي المنهار (حديث عن إرسال جنود والمشاركة في التخطيط لمعركة بنغازي، وإقامة جسر جوي لنقل مرتزقة وإرسال مركبات رباعية الدفع). وتدفع السلطات الجزائرية ثمن عدم الاستماع لأصوات القوى والأصوات التي نصحتها باتخاذ موقف متزن، كما حدث في التعامل مع تونس ومصر على الأقل، ونبهتها إلى أن الموقف الرسمي من ليبيا غير سليم سياسيا واستراتيجيا، بل عليها دعم تطلعات الشعب الليبي، وأن رحيل القذافي في صالحها، ناهيك عن أن المعركة العسكرية كانت محسومة في ليبيا منذ إعطاء عرب العمائم وما يسمى بـ الأنظمة المعتدلة الضوء الأخضر للناتو لإزالة نظام العقيد القذافي، بمباركة أممية. ومع ذلك، تسمرت الدبلوماسية الجزائرية في مكانها وتمسكت بموقفها من الوضع، محاولة تسويق خطر الأسلحة غير المراقبة والإرهاب القادم من ليبيا.
والرأي السائد لدى كثـير من المحللين والسياسيين، بمن في ذلك الذين شغلوا مناصب في الحكومة، أن الموقف الجزائري المغلف بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أساء تقدير الوضع في ليبيا فعلا، من خلال المراهنة على احتمال تقسيم ليبيا أو تحقيق تسوية تنقذ نظام القذافي من السقوط. ورغم الانتكاسة الدبلوماسية وما تبعها من تنازلات غير معلنة للتحالف الغربي، تتصرف السلطات وكأنها حققت مكاسب، مع أن المكسب الوحيد الذي حققته هو توحيد نخب السلطة، وتعزيز لحمة النظام السياسي، وسد الانشقاق القائم بسبب النزاع على السلطة والريوع في مواجهة عدو داخلي وخارجي وهمي. ثم إن السلطة التي اختارت خصومها ومعارضيها لا تخشى حساب الشعب لها، ولا تخاف البرلمان الغارق في تصحيح الأخطاء اللغوية والأسلوبية في مشاريع قوانين الحكومة، ولا يبدو أن البرلمانيين الجزائريين على قدر من الجرأة لفتح نقاش حول الوضع في ليبيا، التي تقع على حدودنا الشرقية وليس على الخليج العربي.



باريس ولندن تتسببان في أول نزاعات الجيل الرابع
انتهت حرب إسقاط القذافي وبدأت حرب تقسيم الغنائم
 تسعى باريس ولندن، تحت مظلة حلف شمالي الأطلسي، إلى حسم الحرب في ليبيا في أقصر مدة ممكنة والانتقال إلى مرحلة تقسيم الكعكة الليبية واستغلال الغنائم، بما يتناسب مع الأهداف غير المعلنة لهذه الحرب التي تندرج ضمن حروب الجيل الرابع.
الحرب التي شنتها فرنسا وبريطانيا تحت مظلة الأطلسي تنطبق في العديد من تفاصيلها على ما عرف في الأدبيات الاستراتيجية الأمريكية بحرب الجيل الرابع التي طورتها دوائر البنتاغون بمعية ويليام ليند مع بداية التسعينات، والتي تعتمد الحرب الإعلامية والدعائية والنفسية والتفوق التكنولوجي لضرب نفسية العدو وكسب شرعية للحرب، مع تفادي التدخل العسكري المباشر إلا بصورة محدودة، تفاديا للخسائر على الأرض وتشويه الخصم بما يعطي الشرعية لهذه الحرب.
وبدأت الحرب في ليبيا كحرب دعائية إعلامية، مع تضخيم غير مسبوق للقوة العسكرية الليبية التي ستقوم بمجازر في المناطق الشرقية، والقتلى بالآلاف وحالات الاغتصاب، تهريب الأموال والذهب، ليتم صنع استراتيجية الحرب الجديدة وفقا لأهداف غير معلنة تم التحضير لها، كما اعترف بها الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك منذ حوالي عشر سنوات، مع إحداث تغييرات لتهيئة الرأي العام في البلدان الغربية وشرعنة الحرب، من خلال الحصول على غطاء الشرعية الدولية وتكييف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن 1970 و1973 لمباشرة الحرب تحت شعار حماية المدنيين الليبيين. رغم أن مضمون القرارات تؤكد على أن فرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي كإجراء وقائي لتوفير الحماية للشعب الليبي وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة . ولكن مهمة الناتو تجاوزت ذلك، من خلال قصف مواقع مدنية وتدخل عسكري مباشر. كما تم تكييف الحرب مع الوظيفة الجديدة لحرب الناتو، التي أضحت قادرة على تجاوز المادة الخامسة والتدخل عسكريا خارج حدود ونطاق البلدان الأعضاء، وهي العقيدة التي تطورت منذ 1999 في مجال إدارة الحروب والصراعات.
ولكن الحرب في ليبيا لم تكن لتقام لولا الأهداف السياسية والاستراتيجية التي يراد تجسيدها على المدى القصير والمتوسط. ففرنسا وبريطانيا بدأتا في توظيف هذه الحرب لأغراض انتخابية، خاصة أن ساركوزي مقبل على رهانات انتخابية في ظرف تتواجد شعبيته في أدنى المستويات. كما أن الحرب التي بدأت في 19 مارس أخذت أبعادا شخصية، على غرار ما حدث بين بوش والرئيس العراقي صدام حسين، حيث يستهدف ساركوزي تصفية حساباته مع القذافي وأبنائه. كما نجد الاعتبارات الاستراتيجية، بالنظر إلى موقع ليبيا الاستراتيجي الذي سيمنح فرنسا موطئ قدم لدول الساحل وإفريقيا، ويجعلها تضمن استقطاب دول الساحل بما يخدم سياساتها الجديدة في إفريقيا وتزيح خصما كانت تعتبره مناوئا ومنافسا لها في رسم هذه السياسات في إفريقيا، فاحتلال ليبيا يعني افتكاك عقود بملايير الدولارات لمرحلة ما بعد الحرب.



في  عين الخبير


أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد خوجة لـ الخبر :
الاعتراف بالمجلس الانتقالي تصحيح لسلسلة من الأخطاء

أعلنت الجزائر اعترافها رسميا بالمجلس الانتقالي الليبي. ما هي قراءتك لهذه الخطوة، خاصة أن الشرط الذي وضعته السلطات للاعتراف بالسلطة الجديدة في ليبيا لم يتحقق، ويتعلق بتشكيل حكومة تتكون من كل أطياف الشعب الليبي؟
  من الواضح أن هناك ارتباكا في صناعة القرار في أعلى هرم السلطة الجزائرية. فالثورة الليبية فاجأت القيادة الجزائرية، وكان عليها أن تخوض صراعا دراميا بين منطق الدولة والأخوة والجغرافيا والتاريخ على العاطفة والروابط الشخصية والعلاقات الملتبسة التي نسجت منذ عشرين سنة على الأقل مع القذافي، انتصرت الحقائق الدائمة للشعبين على أهواء وأوهام من سيّروا الملف الليبي في الجزائر. والحق أن الحكومة الجزائرية بالغت في الضغط على المعارضة المسلحة الليبية. من جهة، تقول إنها محايدة، ومن جهة أخرى تضع شروطا هي في صميم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيين، ويشكل الاعتراف بالمجلس الانتقالي تصحيحا لسلسلة من الأخطاء.
 يفرض الدور الفرنسي في ليبيا على الجزائر إعادة ترتيب أولوياتها بالمنطقة. إلى أي مدى ذلك صحيح؟ مصلحة الجزائر هي التي تملي عليها تصحيح الأخطاء، والعودة إلى علاقات الأخوة وحسن الجوار. الدور الفرنسي موجود في القارة الإفريقية بأكملها، ولا تبنى السياسة الخارجية على ردود أفعال القوى الإقليمية، بل أساسا على المصالح الثابتة والمبادئ التصحيحية للدولة.
برأيك، لماذا تعاملت الجزائر ببرودة مع حركية التغيير الذي عاشتها تونس ومصر وليبيا؟ هل لذلك علاقة بالداخل بالجزائر؟
 السياسة الخارجية هي مرآة السياسة الداخلية، ومن الواضح أن السلطة عجزت في التعامل مع الانهيار السريع لمسلمات نظام الحكم في تونس ومصر وليبيا. إن شلل الموقف الجزائري هو نتيجة طبيعية للهلع الذي دبّ في أركان نظام الحكم، من انتقال العدوى إلى الشعب الجزائري، فأي نظام سياسي يسعى إلى الحفاظ على بقائه أولا وأخيرا. ولكن من الظلم أن نحمل أخطاء السلطة للجزائر، التي تشكل ثقلا وعمقا تاريخيا في مناصرة الشعوب ومساعدتها، إن ذلك جزء من رصيد ومبادئ الشعب الجزائري.   


القيادي الإسلامي الليبي علي الصلابي لـ الخبر
اعتراف الجزائر خطوة في الاتجاه الصحيح بالرغم من تأخره

 وصف القيادي الإسلامي الليبي، الشيخ علي الصلابي، اعتراف الجزائر بالمجلس الانتقالي الليبي بـ الخطوة في الاتجاه الصحيح ، وإن سجل بأنها جاءت متأخرة. لكنه عبر عن أمنيته في أن تسعى القيادة السياسية الجديدة في ليبيا والقيادة السياسية في الجزائر لبناء علاقة تخدم مصلحة الشعبين.
وقال علي الصلابي، في اتصال هاتفي أمس مع الخبر ، بأن العلاقة بين الشعبين الجزائري والليبي قوية ومتينة منذ قديم العصور، وإن شاء الله ستسمح هذه الخطوة بإزالة التوتر والتمكين لبناء علاقة جوار في مستوى وقيمة البلدين . وفي رده حول سؤال بخصوص اعتراف الجزائر بالمجلس الانتقالي في ليبيا وما يمكن أن يغيره في العلاقات بين البلدين مستقبلا، قال المتحدث: أعتبر كل شيء يأتي بالحوار، وكل المشاكل التي طبعت العلاقة بين المجلس والقيادة السياسية في الجزائر يمكن حلها عبر الحوار والنقاش البناء، ونحن نأمل أن تكون العلاقة أفضل مما كانت عليه في السابق . وفي رده على سؤال حول مستقبل التعاون الأمني بين البلدين بعد خطوة الاعتراف، خاصة أمام التخوفات التي أبدتها الجزائر وعدة دول بخصوص خطر القاعدة ودور السلاح الليبي في رفع مستوى الخطر الأمني في المنطقة، قال الشيخ علي صلابي: الثوار استطاعوا أن يؤمنوا العديد من المدن وكذا الحدود، وبالتعاون يمكن الوصول إلى الكثير من الخير . وواصل قائلا في هذا السياق: وأظن أن بعض الاتهامات الخاصة بالإرهاب والتطرف ليست لها وجود، لأن الشعب الليبي ضد كل أنواع التطرف الديني والجهوي أو القبلي .
وعلى الصعيد الداخلي، اعتبر القيادي الإسلامي الليبي بأن الحراك السياسي في ليبيا ظاهرة صحية لم تكن موجودة في العهد السابق، مشدّدا على أهمية أن يتقلد الشباب الليبي مناصب سياسية رفيعة، ومن حق الشباب أن تكون لهم طموحات سياسية لأنهم هم من قاموا بالثورة، وواصل قائلا: من أخذوا الفرصة في أيام القذافي وأيام سيف الإسلام، عليهم أن يفسحوا المجال للشباب اليوم . وختم الصلابي حديثه بالتأكيد على أنه ضد صناعة أصنام سياسية جديدة، مؤكدا على أهمية النقد البنّاء كوسيلة للدفع بالأمور نحو الاتجاه الصحيح وبناء ليبيا الجديدة.





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)