يغمراسـن بن زيان بن ثابت بن محمد، (ولد عام 603 هـ/1206م ء توفي 633 هـ/1235م)، و تولى حكم إقليم تلمسان في عهد الخليفة الموحدي عبد الواحد الرّشيد بن المأمون الذي كتـب له بالعهد على ولاية المغرب الأوسط بعد وفاة أخيه أبو عزة زيدان بن زيان، الذي كان قويّا وشجاعًا، وأطاعته جميع البطون والقبائل وامتنع عن مبايعته بنو مطهر وبنو راشد، فحاربهم وقتل في إحدى المعارك، ليخلفه يغمراسن بن زيان الذي يعتبر المؤسّس الحقيقي للدولة الزيانية وعاصمتها تلمسان
بناء الدولة الجديدة
كان يغمراسن بن زيان يتميّز بصفات وخصال أهلته حيث مما سهل عليه بالقيام بدور كبير في وضع الأسس المتينة لدولة بني عبد الواد النّاشئة، وتميّز بمواقفه الحربية الكثيرة، خاصّة ضدّ قبائل بني توجين ومغراوة، حيث خرّب مواطنهم في محاولة منه لإخضاعهم وضمّهم إلى سلطته كما حالف قبيلة زغبة، وكانت له مع بني مرين بالمغرب الأقصى عدّة حروب وكذلك مع بني حفص شرقا، ورغم هزائمه أمامهم كان يدافع عن مملكته محاولا حمايتها من الأخطار الّتي كانت تتهددها شرقا وغربًا، وبدأ في توسيع حدودها على حساب أقاليم الدّولة الموحدية الّتي كانت تتداعى إلى السقوط، ثمّ قام بإلغاء سلطة الموحدين على تلمسان واستقلّ بها مع إبقائه على الدعاء و الخطبة للخليفة الموحدي وذكر اسمه في السّكة، ونازعه بنو مطهر وبنو راشد لكنّه هزمهم، و أقام الدّولة على قواعد متينة، فاتخذ الوزراء والكتاب والقضاة ، وبعث في الجهات العمال ولبس شارة الملك. واستمر عهده حتّى سنة 681ھ/1282م ما مكّنه من توطيد ملكه وتأسيس نظم دولة الجديدة بالمغرب الأوسط،"الجزائر حاليا "
خصاله سيرته في رعيته
كان يقول ابن خلدون: من أشد هذا الحي بأساً وأعظمهم في النفوس مهابة وجلالة وأعرفهم بمصالح قبيله وأقواهم كاهلا على حمل الملك واضطلاعاً بالتدبير والرياسة، كان مرموقاً بعين التجلة مؤملاً للأمر عند المشيخه وتعظم من أمره عند الخاصة ويفزع إليه في نوائبه العامة
حاله مع العلم
وفد عليه لأول دولته ابن وضاح والذي أتى مع جالية المسلمين من الأندلس فآثره وقرب مجلسه وأكرم نزله وأحله من الخلة والشورى بمكان اصطفاه له. ووفد في جملته أبو بكر بن الخطاب المبايع لأخيه بمرسيه وكان مرسلاً بليغاً وكاتباً مجيداً وشاعراً محسناً فاستكتبه وصدر عنه من الرسائل في خطاب خلفاء الموحدين بمراكش وتونر في عهود بيعاتهم ما تنوقل وحفظ.
وفاته وولاية ابنه
خرج السلطان يغمراسن من تلمسان سنة (81هـ) واستعمل عليها ابنه عثمان وتوغل في بلاد مغراوة وملك ضواحيهم.ونزل له ثابت بن منديل عن مدينة تنس فتناولها من يده. ثم بلغه الخبر بإقبال أخيه أبي عامر برهوم من تونس بابنة السلطان أبي إسحاق عرس ابنه فتلوم هنالك إلى أن لحقه بظاهر مليانة فارتحل إلى تلمسان وأصابه الوجع في طريقه. وعندما احتل شربويه اشتد به وجعه فهلك هنالك آخر ذي القعدة والبقاء له وحده. فحمله ابنه أبو عامر على أعواده وواراه في خدر مورياً بمرضه إلى أن تجاوز بلاد مغراوة إلى سيك. ثم أخذ السير إلى تلمسان فلقيه أخوه عثمان بن يغمراسن ولي عهد أبيه في قومه فبايعه الناس وأعطوه صفقة أيمانهم. ثم دخل إلى تلمسان فبايعه العامة والخاصة وخاطب لحينه الخليفه بتونس أبا إسحاق وبعت إليه ببيعته فراجعه بالقبول وعقد له على عمله على الرسم ثم خاطب يعقوب ين عبد الحق يطلب منه السلم لما كان أبوه يغمراسن أوصاه به.
وصيته لابنائه
يقول ابن خلدون حدثنا شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن إبواهيم الآبلي قال: "سمعت من السلطان أبو حمو موسى بن عثمان وكان قهرماناً بداره قال: أوصى دادا يغمراسن لدادا عثمان ء ودادا حرف كناية عن غاية التعظيم بلغتهم ء فقال له يا بني إن بني مرين بعد استفحال ملكهم واستيلائهم على الأعمال الغربية وعلى حضرة الخلافة بمراكش لا طاقة لنا بلقائهم إذا جمعوا لوفود مددهم ولا يمكنني أنا القعود عن لقائهم لمعرة النكوص عن القرن التي أنت بعيد عنها. فإياك واعتماد لقائهم وعليك باللياذ بالجدران متى دلفوا إليك وحاول ما استطعت في الاستيلاء على ما جاورك من عمالات الموحدين وممالكهم يستفحل به ملكك وتكافئ حشد العدو بحشدك. ولعلك تصير بعض الثغور الشرقية معقلاً لذخيرتك. فعلقت وصية الشيخ بقلبه واعتقد عليها ضمائره وجنح إلى السلم مع بني مرين ليفرغ عزمه لذلك. وأوفد أخاه محمد بن يغمراسن على يعقوب بن عبد الحق بمكانه من العدوة الأندلسية في إجازته الرابعة إليها فخاض إليه البحر ووصله باركش فلقاه براً وكرامة وعقد له من السلم ما أحب. وانكفأ راجعا إلى أخيه فطابت نفسه وفرغ لافتتاح البلاد الشرقية ..."
تاريخ ابن خلدون، الجزء الرابع
فترة هامة من تاريخ الجزائر خلال القرن الثالث عشر ميلادي والسابع هجري تخص عهد يغمراسن بن زيان، لأنها كانت فعلا مرحلة هامة من تاريخ الجزائر والتي اكتنفها الغموض لحد الآن ولم تحظ بالقسط الكبير من الدراسة والاهتمام والبحث.
هذه الفترة كانت حساسة جدا، حيث شهدت بداية انهيار دولة الموحدين التي كانت بالفعل أعظم دولة عرفها المغرب الإسلامي آنذاك لأنه في عهدها ازدهرت الحياة الاقتصادية وتطورت الثقافة الإسلامية ووصل فيها العلم أرقى الدرجات ويكفي أن نقول إنها دولة احتضنت العديد من العلماء من بينهم ابن طفيل وابن رشد، حيث امتدت سلطتها الجغرافية أيام عزها من المحيط الأطلسي إلى حدود مصر شرقا ومن البحر المتوسط وبلاد الأندلس شمالا إلى الصحراء جنوبا، وكان ضعفها سببا في ظهور ثلاث دول جديدة ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من الصراع بين حكامها.
كان يغمراسن من أكثر رجال وقادة بني عبد الواد شجاعة وكفاءة، حيث استطاع منذ توليه قيادة الدولة العبد الوادية أن يبرز نفسه من خلال الأحداث كرجل جدير بقيادة هذه الدولة الأمر الذي جعل الموحدين يستعينون به في حروبهم ضد المرينيين والحفصيين، لكنه سرعان ما استغل فرصة بداية انهيار الدولة الموحدية التي كانت عاصمتها مراكش ليعلن الانفصال عن الموحدين وإعلان الاستقلال واتخذ من تلمسان عاصمة للدولة الزيانية التي أسسها.
لم يقطع يغمراسن علاقاته مع الموحدين، خاصة بعد تحسن العلاقات بينه وبين زعيم الموحدين آنذاك الخليفة الرشيد الذي حرص على تحسين علاقاته وبناء الثقة مع الزيانيين ليتواصل الود بين الطرفين أثناء تولي السلطان السعيد حكم دولة الموحدين. وعلى العكس من ذلك فقد كان التوتر يشوب علاقات يغمراسن مع جيرانه شرقا وهم الحفصيون والسبب يعود إلى محاولة كل طرف ضم أكبر جزء ممكن من دولة الموحدين إليه وحاول السلطان الحفصي آنذاك أبو زكريا الاتصال بالعاهل التلمساني لإقناعه بقطع العلاقات مع حاكم مراكش، لكن الزيانيين رفضوا ذلك وفضلوا التقارب مع الموحدين على حساب الحفصيين بعد تبادل الاتصالات بين البلاطين الموحدي والزياني والذي بلغ ذروته عام 1212 ميلادي، الأمر الذي أدخل شكوك وريبة لدى الحفصيين بتونس واعتبروا في الوقت نفسه هذا التقارب تهديدا لأمنهم وسلامتهم ومن هنا بدأ أبو زكريا الحفصي في إعداد العدة للهجوم على تلمسان بمساعدة من بعض قبائل المغرب الأوسط وقاد حملة في عام 639 هجري /1241 م نحو تلمسان ليتمكن من الوصول إلى أسوارها ودحر جيش الزيانيين فدخل تلمسان عام 640 هـ/1242 م.
وتمكن يغمراسن بن زيان من الإفلات من قبضة الحفصيين ولجأ إلى الجبال المجاورة وتفاوض أبو زكريا الحفصي مع والدة يغمراسن المعروفة بسوط النساء نيابة عن ابنها الحاكم وعقدا صلحا ومعاهدة بينهما على الجلاء، مقابل أن يقطع ابنها صلته نهائيا مع مراكش ويصبح تابعا للحفصيين ويخطب باسمهم لتبدأ مرحلة الولاء من طرف دولة بني عبد الواد بزعامة يغمراسن للحفصيين إلى أن عزم الخليفة الموحدي أبي الحسن السعيد 640ء646 هجري / 1242ء1248 ميلادي على تأديب يغمراسن فخرج في جيش كبير واتجه نحو مدينة تلمسان في عام 645 هجري / 1247 ميلادي، لكن أبا يحي يغمراسن لم ينتظر وصوله، بل خرج إليه وفاجأه في الطريق بالقرب من جبل تيمزجزجت.
قامت الدولة الزيانية على أربعة أنظمة متكاملة أولها النظام الإداري ويتكون من خمسة أجهزة وهي السلطان والوزير والكاتب والحاجب وصاحب الأشغال وترتيبها حسب الأهمية الإدارية، وثانيا التنظيم الإداري والذي بدوره ينقسم إلى جزأين الأول يتعلق بالإدارة المركزية وتضم الدواوين كديوان الجند وديوان الخراج وديوان الرسائل ومجلس الشورى ثم الإدارة المحلية وبدورها تشمل المدن والأمصار والقبائل وثالثا النظام القضائي يضم القضاة ورابعا النظام العسكري ويضم قيادات الجيش.
كانت الدولة العبد الوادية مشهورة بمحاصيلها الزراعية المتنوعة والوفيرة حتى أن صاحب كتاب الاستبصار أشار إلى ذلك في قوله: ء وللمغرب الأوسط مدن كثيرة وهي كثيرة الخصب والزرع. كثيرة الغنم والماشية. ومنها تجلب الأغنام إلى بلاد المغرب والأندلس وحتى ابن خلدون أشار إلى بساتين تلمسان.
بالاضافة لصناعة النسيج بسبب حاجة الناس إليها، وكان لكل جهة إنتاجها الخاص إلا أن الاحتكاك بين الشعوب والقبائل، ويعود سبب انتشار صناعة النسيج إلى توفر المواد الخام في تلك الفترة خاصة الصوف من ضمن صناعة الأفرشة والأغطية.
وقد ساعد في رواجها وتطورها عدة عوامل منها الجغرافية فكان للامتداد الجغرافي لدولة بني عبد الواد أثره الايجابي على تنوع المنتوجات، خاصة الفلاحية لدرجة أن هذه الدولة ضمت أقاليم من الجنوب كانت تشتهر بإنتاج التمور.
وكانت جاليات يهودية في عاصمة الدولة تشتغل وتمتهن التجارة التي تميزت بعدة صفات كالتجارة الداخلية من خلال الأسواق الداخلية العديدة.
كان النسيج الاجتماعي آنذاك خليطا في أغلبه من ستة أعراق منهم البربر والعرب والأندلسيون والمسيحيون واليهود والاغزاز ونقصد بهم القبائل التركية التي كانت تسكن أواسط أسيا قبل انتشار الإسلام وقد اعتنقوا الإسلام في النصف الثاني من القرن الرابع هجري الموافق للقرن العاشر ميلادي وحلو ببلاد المغرب في عهد يوسف بن أبي تاشفين سنة 450 500 ه / 1088ء1106 م.
كما ان مجتمع بني عبد الواد كان مقسما إلى طبقتين الأولى الطبقة العامة وهي الفلاحين والصناع وأهل الحرف وصغار التجار والعبيد، والطبقة الخاصة وتضم الأسرة الحاكمة والجنود وأهل العلم وكبار التجار وكلهم ينحدرون من عدة قبائل تعتبر امتدادا لزناتة كقبائل مغراوة وبنو يفرن وجراوة وبني واسين وبني مرين وبني راشد وغيرهم، وقد تبوأت زناتة مكانة هامة فامتهنت الوظيف واحترفت الصناعة والتجارة وتعتبر زناتة من القبائل المستعربة.
كانت العادات والتقاليد في فترة بني عبد الواد مرتبطة بالإسلام، فمثلا الزواج كان يسيرا على الزوجين والصداق فيه كان حسب الظروف الاجتماعية وكان المهر يحدد بالدنانير، أما الاحتفالات بالزواج فكانت تقام فيها الوليمة للأهل والأقارب والأحباب يطلق عليها اسم وليمة العرس وحظيت المرأة بمكانة خاصة رغم القيود الاجتماعية.
حرص يغمراسن أثناء حكمه لدولة بني عبد الواد على الاهتمام بنشر الثقافة والعلوم رغم ظروف الحروب واللآستقرار السياسي الذي عرفته بلاد المغرب، حيث كانت المنافسة بين الموحدين والحفصيين والزيانيين ودول أخرى على استقطاب العلماء والأدباء، وتمكن يغمراسن بفضل نزعته العلمية والأدبية من استقطاب عدد منهم ومن بينهم أبي بكر محمد بن عبد الله بن خطاب المرسي الأندلسي إلى بلاطه كما اهتم يغمراسن بمناهج التعليم والتي كانت تعتمد في المراحل الأولى على تعليم القرآن وكانت هذه البرامج معظمها تدرس بالمساجد وتمتد على مرحلتين أساسيتين، الأولى تشمل القراءة والكتابة وحفظ القران ويستفيد منها الأطفال مقابل أن يدفع أولياؤهم أجورا للمعلمين، والثانية تعتمد على الإلقاء والتخصص في مختلف العلوم كاللغة العربية والفقه وعلوم الشريعة. كما اهتم يغمراسن بالزوايا التي كانت من بين أهم المؤسسات التعليمية المنتشرة آنذاك، وكانت الزاوية ذات طابع ثقافي ديني علمي كما كانت العلوم تصنف إلى عدة أصناف ومن أبرزها العلوم الدينية وعلوم الحديث وعلم التفسير وعلم الفقه وعلم التصوف والعلوم اللسانية.
والى جانب كل هذا اهتم التلمسانيون بالشعر الذي تطور كثيرا والحياة الفنية من خلال الإبداع في بناء القصور.
لقد شهدت الدولة الزيانية تطورا في كافة المجالات طيلة فترة حكم يغمراسن إلى غاية وفاته عام 681 هجري / 1282 ميلادي ليخلفه بعد ذلك ابنه أبي سعيد عثمان الأول في سدة الحكم، ومن هنا بدأت مرحلة أخرى من تاريخ الزيانيين وحضارتهم التي ارتبطت بتاريخ بلاد المغرب في العصر الوسيط والتي شملت كل المجالات من التطور الإداري والاقتصادي والتجاري والعسكري والقضائي وحتى فن العمارة لأن دولة بني عبد الواد امتدت على مساحات كبيرة من شمال غرب إفريقيا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/03/2020
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : المختص في التاريخ، خالد بلعربي
المصدر : yaghmoracen.over-blog.com