لالة عزيزة… الأميرة التي قتلت عشقا
قصة عزيزة بنت الداي، زوجة الباي، معشوقة الشعب، من المحروسة والتيطري، وصولا إلى تلمسان وقسنطينة، أشبه بتراجيديا إغريقية تبدأ بالحب وتنتهي بالموت.. وبين الحب والموت لحظات فرح وترح، وأيام سعادة وليالي حزن… عزيزة، هي قصة أميرة ولدت في سرير القبة العتيق وماتت تحت قبة السماء.
قيل الكثير عن أصل قصر القصبة السفلى بالجزائر العاصمة، المعروف باسم دار عزيزة… ولفترة طويلة اعتمد التاريخ على كلام المؤرخ الفرنسي، هنري كلاين، الذي أكد أن هذا القصر قد تم بناؤه في القرن السادس عشر، من طرف داي الجزائر، من أجل ابنته عزيزة، التي حين وصلت سن الزواج صارت زوجة باي قسنطينة. هذه الأطروحة، التي لم ترفق بأي اسم من أسماء الدايات أو البايات المعروفين، تحولت في ما بعد إلى أسطورة عاصمية، نسجت حولها الكثير من القصص والروايات، التي زادها الخيال الشعبي غموضا وإثارة.
لكن، للأسف، تخفي هذه الأسطورة الجميلة حقيقة تاريخية مأساوية. فبفضل مخطوطة من معاصر لرجب باي، حاكم قسنطينة، الذي قدم شهادة حقيقية حول مأساة هذه المرأة التي ولدت بملعقة من ذهب في قصر من زليج شيد من أجلها… عرفنا أن عزيزة، لم تكن امرأة رائعة الجمال والأناقة فحسب، بل كانت مثالا عن المرأة الخلوقة السخية والمحبة للناس.. كانت سليلة عائلة نبيلة، فهي ابنة القائد أحمد بن رمضان وشقيقة الشليبي بن علي بتشين، تزوجت من محمد بن فرحات، باي قسنطينة. وبعد وفاة هذا الأخير، وفقًا للعرف السائد، تزوجها شقيقه رجب، الذي خلف أخاه الراحل في منصب الباي.
بين الحب والجنون.. شعرة
كان باي قسنطينة الجديد مفتونا بزوجته، إلى درجة الجنون والهوس.. فقد اصطحبها إلى الجزائر العاصمة، حيث أقام لها عرسا أسطوريا، بعد مرور فترة عدتها. ومن أجل عينيها الساحرتين، قام رجب باي ببناء قصر، يعد من تحف المعمار الجزائري، سيصبح في ما بعد المقر الثانوي لبايات قسنطينة، عند زيارة العاصمة، لدفع الإتاوات السنوية للداي.
بعد أيام من عرسهما الخيالي، الذي تناقلته كل نسوة المحروسة، اضطر رجب باي إلى مغادرة العاصمة، للعودة إلى قسنطينة، رفقة الزوجة التي أسرت قلبه. وعاش الاثنان قصة حب لم يعكر صفوها سوى أمر واحد فقط..
فبالنسبة إلى رجب باي، كما هي الحال غالبًا في قصص العشق القوية، لم يكن الحب إحساسا عذبا بل معاناة مرضية مع الغيرة الشديدة.
أسباب هذه الغيرة، سبق أن ذكرنا بعضها من جمال ورقة وإنسانية.. لكن الراوي المعاصر لحكم هذا الباي الغيور
لم يذكر السبب الحقيقي لهذا الانقلاب المفاجئ لمشاعر الزوج العاشق، وكيف انقلب الحب حقدا وكراهية، وتحول العشق سخطا واستياء.. شيئا فشيئا، تبلورت فكرة القتل في عقل الباي… وجاء اليوم المشؤوم، الموافق ليوم الأحد 29 جمادى الأولى عام 1079 هجري، أي الرابع من شهر نوفمبر عام 1668، الذي قرر فيه الباي تنفيذ مشروعه الغادر.
أميرة في خيمة
من أجل إتمام جريمته، دعا الباي زوجته الجميلة إلى زيارة “مطحنة القمح”، التي بناها مؤخرًا في الحامة (بالقرب من قسنطينة). لم يرافقها في هذه الرحلة كي يبعد الشكوك عنه، وأمر كلا من زوجته الثانية، صفية، وابنته فاطمة بأن ترافقا عزيزة في هذه الطلعة المفاجئة.
بعد زيارة طاحونة القمح الجديدة، انتقلت عزيزة بحاشيتها إلى الحديقة الرائعة المسماة “العنصل”، حيث كان من المقرر لها أن تقضي سهرة نسوية بين أباريق الشاي وبوقالات الحظ. لم ترتب زوجة الباي للأمر، فلم تكن تدري أنها تعيش آخر لحظاتها في هذه الدنيا، وأمضت الوقت وهي تتسامر وتتجاذب أطراف الحديث على وقع أباريق الشاي وبوقالات الحظ.. وما هي إلا سويعات، حتى أسدل الليل حجابه على الناس، وتناثرت النجوم هنا وهناك، فانسحبت المغدور بها إلى خيمتها، التي انتصبت وسط الحديقة وكأنها قصر صغير، لتخلد إلى النوم، وأعقب الصمت المثقل بالهموم صخب النهار وأفراحه. واستسلمت عزيزة لنوم عميق، وغدت في هذا الاستسلام البريء فريسة سهلة لأيادي المنية. كانت دون أن تدري عالقة في فخ محكم، لم يكن بوسع أحد أن يخلصها منه.
كان جلادها اسمه بن شرداد، خادم الباي الوفي وروحه المعذبة، وبين لحظة اليقين ولحظة الشك، اقتحم المجرم مخدع الأميرة النائمة، وطعنها تسع مرات، فأسلمت روحها إلى بارئها، وشهد على وفاتها ضوء القمر الباهت.
واهتزت قسنطينة على وقع خبر وفاة الأميرة المحبوبة، وأقيمت لها جنازة ملكية، تظاهر فيها الباي بالحزن، وبكى بحرقة وذرف دموعا مخادعة… وماتت عزيزة بسبب الغيرة، بعد أن اعتقدت أن الحب سيحميها من غدر العاشق.
تاريخ الإضافة : 09/04/2023
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : فاروق كداش
المصدر : echoroukonline.com